No Widgets found in the Sidebar
الحديقة المحرمة ليست مجرد رواية سردية، بل هي دعوة للتفكير في التحولات العميقة التي عرفها المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة، وما صاحبها من انقسام بين الحلم بالحرية والحقيقة وبين الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان يعصف بكل شيءالحديقة المحرمة ليست مجرد رواية سردية، بل هي دعوة للتفكير في التحولات العميقة التي عرفها المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة، وما صاحبها من انقسام بين الحلم بالحرية والحقيقة وبين الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان يعصف بكل شيء

بقلم: زينب بن مصطفي

أستاذة فنون جميلة

رواية الحديقة المحرمة للكاتب والإعلامي التونسي معز زيود تعد واحدة من الأعمال الأدبية التي تأخذ القارئ إلى أعماق التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها تونس بعد ثورة 2011. صدر الكتاب عن مؤسسة مسكيلياني للنشر في عام 2020، وقد جاءت الرواية في 261 صفحة، لتقدم رؤية معقدة لما جرى في تونس خلال هذه الفترة المضطربة. الكاتب ينجح في خلق سردٍ أدبيٍ يتداخل فيه الواقع مع الخيال، ليعرض التناقضات العميقة التي تطبع المجتمع التونسي بعد الثورة.

تدور أحداث الرواية حول عبد النبي يوسف، صحفي وأستاذ جامعي في الخمسينات من عمره، الذي يواجه نفسه في وسط الزمان والمكان الذي تغير بشكل جذري. يجد البطل نفسه عالقًا بين ماضٍ مثقل بالخيبات وبين حاضرٍ يعج بالفوضى والاضطراب، حيث يصير شاهدًا على التحولات التي طالت المجتمع التونسي على المستويين السياسي والاجتماعي. تمثل الرواية ساحة لصراع الأيديولوجيات والتوجهات التي تتناقض داخل هذا المجتمع، ليجد عبد النبي نفسه محاصرًا في أتون معركة ضارية بين المصالح السياسية المتشابكة.

رمزية “الحديقة المحرمة”

الحديقة التي تحمل اسم الرواية ليست مجرد فضاء مادي، بل هي رمز عميق يعكس الأزمات النفسية والاجتماعية التي يمر بها بطل الرواية. تمثل الحديقة، على الرغم من جمالها الظاهري، مكانًا محاصرًا مليئًا بالضغوط الداخلية، تمثل فيه الأشجار “شهودًا صامتين” على الانكسارات التي يعيشها البطل والمجتمع ككل. هذه الرمزية تعكس ازدواجية الواقع التونسي الذي يواجه التحديات الكبرى، مثل الفساد والجوسسة والانقسامات الداخلية، في سياق من الأمل المشوب بالحذر.

من خلال هذا الرمز، يعمق معز زيود في تصوير الحالة النفسية للبطل، الذي يجد نفسه محاطًا بالأسئلة الوجودية التي يطرحها عليه الزمن والتغيرات التي لم يعد قادرًا على السيطرة عليها. وهذه الحديقة “المحرمة” تصبح موقعًا للبحث عن هوية ضائعة في عالم مليء بالتناقضات، بحثًا عن معاني جديدة تليق بالذات التي ضاع مسارها وسط هذه المتغيرات.

مواضيع الرواية: الإعلام والفساد والانقسامات الاجتماعية

الحب في الرواية ليس مجرد علاقة عاطفية، بل هو انعكاس للبحث عن الأمان والهوية وسط الاضطرابات العاطفية والوجودية. وفي ظل هذا الفوضى، يصبح الحب والاغتراب عاملين محوريين في حياة البطل.

تستعرض الحديقة المحرمة مواضيع شائكة ومعقدة تعكس الواقع التونسي ما بعد الثورة. أحد الموضوعات الرئيسية التي تناولتها الرواية هو دور الإعلام في تغيير المشهد السياسي. في الفترة التي تلت الثورة، كان الإعلام يُستخدم كأداة سياسية تُوظف لصالح الأطراف المختلفة، ما جعل الصحفيين في كثير من الأحيان مجرد أدوات في معركة الأيديولوجيات. الرواية تتساءل عن قيمة الحقيقة في عالم تغيب فيه الموضوعية، ليظهر الإعلام كأداة لنقل المصالح وليس الحقيقة.

من جانب آخر، تتناول الرواية الفساد المستشري في مفاصل الدولة، حيث يجد المواطن نفسه محاصرًا بين شبكة من المصالح السياسية التي تهيمن على مقاليد الأمور. تظهر الجوسسة كجزء من حياة المواطن اليومية، مما يجعل الجميع في حالة من الترقب والخوف المستمر. كما تعرض الرواية أيضًا تأثير الفكر المتطرف الذي بدأ في الظهور بعد الثورة، مما أدى إلى زيادة الاستقطاب والانقسامات بين الفئات الاجتماعية المختلفة.

البعد الإنساني في الرواية: الحب والاغتراب

إلى جانب السرد السياسي والاجتماعي، تقدم الرواية بُعدًا إنسانيًا يعكس الصراع الداخلي للبطل. فعبد النبي يوسف لا يقتصر كفاحه على محاربة الأفكار السياسية المتضاربة، بل يعاني أيضًا من عزلة داخلية ناتجة عن التغيرات التي تؤثر في كل جوانب حياته. الحب في الرواية ليس مجرد علاقة عاطفية، بل هو انعكاس للبحث عن الأمان والهوية وسط الاضطرابات العاطفية والوجودية. وفي ظل هذا الفوضى، يصبح الحب والاغتراب عاملين محوريين في حياة البطل.

أسلوب السرد: الواقعية والتأمل الفلسفي

يعتمد معز زيود في سرده على أسلوب يتميز بالواقعية الشديدة التي تدفع القارئ إلى مواجهة الحقائق المرة، ولكنها أيضًا تتضمن تأملات فلسفية عميقة في مسألة الهوية والحرية. لغة الرواية رصينة وسلسة، لكنها تحمل في طياتها عمقًا فكريًا يجعل القارئ يتفاعل مع الأحداث بطريقة غير تقليدية. تساهم هذه الطريقة في جعل الأحداث التي يتعرض لها البطل أكثر تأثيرًا على القارئ، حتى يشعر وكأنه يعيش هذه اللحظات مع الشخصية.

في ختام الرواية، يقدم معز زيود عملًا نقديًا جريئًا للمجتمع التونسي في مرحلة ما بعد الثورة. الحديقة المحرمة ليست مجرد رواية سردية، بل هي دعوة للتفكير في التحولات العميقة التي عرفها المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة، وما صاحبها من انقسام بين الحلم بالحرية والحقيقة وبين الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان يعصف بكل شيء. من خلال أسلوبه السردي المميز، يطرح الكاتب تساؤلات حول مفهوم الحرية، والحقيقة، والعدالة، مما يجعل الرواية تنفتح على أفق واسع من التأملات حول تطور المجتمعات الحديثة.