No Widgets found in the Sidebar
المسرح ينحني في وداع أنور الشعافي

رحل أنور الشعافي، المخرج والمسرحي التونسي، وترك وراءه أكثر من فراغ… ترك سؤالًا معلّقًا في هواء الكواليس: من يعيد ترتيب الصمت بعدك؟
كان الشعافي ابن الجنوب، لا فقط جغرافيًا، بل أيضًا كينونةً. من مدنين، التي تحمل صبر الصحراء وهمس الحكايات، صعد إلى الخشبة لا لينقل النصوص، بل ليُوقظها.

في زمن كان المسرح يبحث عن نَفَسه، جاء أنور الشعافي ليبث فيه قلق الفكر وحدّة السؤال. لم يكن يُخرج أعمالًا، بل كان يُخرجنا نحن من سباتنا.
“هوامش على شريط الذاكرة”، “كابوس آينشتاين”، “ترى ما رأيت”… كلها لم تكن عناوين فقط، بل إشارات ضوئية في نفق الذاكرة الجماعية.

رجل أحب التجريب لا كموضة، بل كموقف وجودي.
أسّس مهرجان التجريب في مدنين، لا ليعرض أعمالًا فقط، بل ليصنع فضاءً للحوار والتحدّي. ولأن المسرح عنده لم يكن ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة، تولّى مسؤوليات إدارية كبرى، من إدارة المسرح الوطني التونسي، إلى مركز الفنون الركحية، وهو يزرع في كل موقع بذور فكر وفنّ.

أنور الشعافي لم يكن رجلاً يعشق المسرح فقط، بل كان هو المسرح.
كان ينظر إلى الخشبة كما ينظر الصوفيّ إلى محرابه: مكانٌ للبوح، للشك، وللدهشة.
كان يُخرج من النص ما لا يُقال، ويحوّل الصمت إلى لغة.
كان يؤمن أن الجمال لا يكتمل إلا بالقلق، وأن الحقيقة لا تقال إلا بالرمز، وأن الوطن يُكتَب أحيانًا على ستارة حمراء.

اليوم، نودّعك يا أنور،
لكن المسرح لا يودّعك.
أنت الآن في النصوص التي لم تُكتب بعد،
وفي الممثل الذي يبحث عن نَفَسه،
وفي الضوء الذي ينكسر ليبدأ العرض.

فلترقد في ظلّ خشبةٍ تعرف أنك لم تغب عنها أبدًا.
لقد غادرت الجسد، لكنك صرت مشهدًا خالدًا،
في ذاكرة الفن، وفي قلب تونس التي أحببتها بلا ضوءٍ اصطناعي.