اسم هذه الشخصية ، صفنيبة (Sophoniba) ، وهو تحريف لاتيني طفيف لاسم صفَتبَعْل في اللغة الفنيقية الأصلية (Saphanba’al) ( وقد تم تحريفه لاحقا في اللغة الفرنسية بصيغ Sophonisbe ) ، وقد ورد رسمه في صيغته البونية في العديد من النقائش القرطاجية، ومعناه : ( من اصطفاها Gsell S., Hist. Anc.( )الرب ليحميها ويرعاها 3197) . هي ، من de l’Afr. du Nord, t. III, p بعد عليسة، أشهر النساء القرطاجيات البونيات اللاتي احتفظ المؤرخون القدماء بذكرهن ضمن ما سردوه في كتبهم عن أحداث السنوات الخمس الأخيرة من ( الحرب البونية الثانية » الملقبة ب ( الحرب الحنبعلية ) ( 218-201 ق . م . ) حيث كان لعاهلي المملكتين النوميديتين الغريمتين، والمسيسلية )Le royaume massyle المسيلية دور هام في تطوّر ،)Le royaume massaesyle( أحداث الحرب. وهي سيدة من سيدات العائلات الارستقراطية الحاكمة اقترن اسمها بأسماء أربع شخصيات تاريخية هامة شغلت أحداث نهاية الحرب اليونية الثانية : الملك سفاكس ( أو سفاقس Syphax ) ، صاحب المملكة المسيسيلية التي كانت تحتل مساحة شاسعة في الشريط الشمالي للبلاد الجزائرية حاليا، من جهة وهران غربا إلى جهة قسنطينة شرقا ولملك مسنسن أو مسنسن Magengen)، صاحب المملكة المسيلية بداية من سنة 203 ق . م . حتى وفاته في سنة 148 ق . م .
وقد اشتمل مجال هذه المملكة الصغيرة نسبيا على بعض أراضي الشمال الغربي للبلاد التونسية وجزء من أراضي الشمال الشرقي للبلاد الجزائرية والقائد العسكري بوبليوس )Publius Cornelius Scipio( قُرْنليوس شيبيون الذي قاد الجيوش الرومانية إلى انتصارات حاسمة على الجيوش القرطاجية في إبيريا أولا ثم في عقر دار الدولة القرطاجية على الأرض اللوبية ( وهو بالأخص بطل معركة زامه الشهيرة سنة 202 ق . م . ) والقائد العسكري عزر بعل بن جرسكون قائد ،)Asdrubal fils de Giscon( الجيوش القرطاجية منذ حوالي سنة 212 ق.م . في إيبيريا ثم في إقليم الدولة القرطاجية في أفريقة (Africa) منذ سنة 206 ق . م .
أصل الاسم ودلالته
اسم صفنيبة هو تحريف لاتيني للاسم الفينيقي الأصلي “صفتبعل” (Saphanba’al)، والذي يعني “من اصطفاها الرب ليحميها ويرعاها”. ورد الاسم بصيغته البونية في نقائش قرطاجية عدة.
صفنيبة والحرب البونية الثانية
كانت صفنيبة شخصية بارزة في السنوات الأخيرة من الحرب البونية الثانية (218-201 ق.م)، حيث لعبت المملكتان النوميديتان دورًا كبيرًا في مجريات الأحداث.
ارتباطات تاريخية بأربعة شخصيات رئيسية
- الملك سفاكس: زوجها الأول وصاحب مملكة المسيسيلية.
- الملك مسنسن: زعيم مملكة المسيلية وأحد أبرز خصومها.
- شيبيون الإفريقي: القائد الروماني الذي قاد الانتصارات ضد قرطاج.
- عزر بعل بن جرسكون: والدها وقائد الجيوش القرطاجية.
صفنيبة وسياستها في الممالك النوميدية
كثيرًا ما استخدمت قرطاج النساء الأرستقراطيات لتوطيد التحالفات عبر المصاهرة، وكانت صفنيبة مثالًا حيًا على ذلك. تزوجت سفاكس لتعزيز ولائه لقرطاج، وساهمت بدورها في شحذ عزيمته في مواجهة الهزائم.
زواجها المأساوي من مسنسن
بعد هزيمة سفاكس وأسره، لجأت صفنيبة إلى الأمير مسنسن الذي تزوجها ليحميها من الأسر الروماني. لكن تحالفه مع الرومان اضطره لإيصال كأس السم إليها حفاظًا على عهده بعدم تسليمها للعدو.
النهاية التراجيدية
صفنيبة قبلت بالكأس واعتبرته تشريفًا لها ولوطنها، لكنها تحسرت على أن يوم زواجها أصبح يوم وفاتها.
وصفنيية (أو صفتبعل)، هي ابنة القائد العسكري عزر بعل بن جرسكون، يقول عنها المؤرخ اللاتيني تيتوس ليويوس (Titus-Livius Tite- Live) المعاصر للقرن الأول قبل الميلاد، وهو المصدر الأساسي الذي نستقي منه . . معلوماتنا في موضوعنا هذا، إنها كانت فائقة الجمال والنظارة، صبية غضة في سن الزواج . وتشير بعض المصادر غير الموثوق بها إلى أنها كانت موعودة للأمير الشاب مسنسن لما كان هذا الأخير، في عهد حكم أبيه جيا للملكة المسيلية (Gaya) ، يحارب على رأس فيلق الخيالة المسيليين الأشاوس في صفوف الجيش القرطاجي في إيبيريا (إسبانيا ) من 212 إلى 206 ق.م. وكانت العائلة المسيلية الحاكمة حليفة آنذاك لقرطاجة. غير أن القائد غزر بعل ارتأى أخيرا تزويجها في سنة 205 ق.م. للملك سفاكس الذي كان جيشه أكثر عددا وعتادا بكثير من الجيش المسيلي، وذلك حتى يضمن ولاءه للدولة القرطاجية خاصة وأن الدولة الرومانية بدأت في مغازلته منذ سنة 210 ق . م . وإغرائه بالهدايا والوعود الخلابة لجلبه إلى صفها بعد أن كشف القائد شيبيون في سنة 206 ق.م. عن مشروعه لنقل رحى الحرب إلى الإقليم القرطاجي في لوبيا . ولا شك في أن قرار الزواج هذا لم يتخذه عزر بعل بمفرده أو عن نزوة شخصية منه بل هو قرار سياسي نابع من إرادة الدولة القرطاجية نفسها التي كثيرا ما كانت تحرص على توطيد معاهداتها وتحالفاتها خاصة مع ملوك الممالك النوميدية بمصاهرتهم حتى يكون الترابط بالزواج والنسب أكثر ضمانا وأمانا لما خط على الورق، فهو عهد مقدس بين الطرفين أكثر منه مجرد معاهدة سياسية، إضافة إلى أن الدولة القرطاجية كانت تعتبر القرطاجيات المتزوجات بأجانب بمثابة السفيرات الراعيات المصالح الدولة القرطاجية لدى ( أزواجهن من ملوك الدول التوميدية. وفعلا، فقد كان الصفنيبة في إطار هذه المصاهرة الرسمية الدور الكبير في شحذ عزيمة الملك المسيسيلي وصده، بما كان لها من تأثير عليه، عن التخلي عن الحلف. إذ في كل مرة يمنى فيها الجيشان المتحالفان في الإقليم القرطاجي اللوبي بهزيمة نكراء أمام الفيالق الرومانية مدعمة بخيالة الأمير مسنسن يخور عزم سفاكس بعض الشيء وتحدثه نفسه بأن يغادر الميدان ويعود إلى مملكته لولا شحذ عزيمته من جديد من قبل صفنيبة. ذلك ما يزعمه على الأقل المؤرخ تيتوس ليويوس. وكان أن وقع الملك سفاكس في النهاية في الأسر في معركة واجهته تحت أسوار مدينة ( Qari’n Cirta, Cirte، مدينة قسنطينة حاليا )، بخيالة الأمير مسنسن الذي دخل المدينة منتصرا وهرع إلى القصر الملكي فوجد به صفنيبة تتوسل إليه ضارعة تقبل يديه الا يسلمها إلى العدو الروماني الغريب وأن يفعل بها هو ما تمليه عليه هويته وشهامته اللوبية البونية التي يشترك فيها معها. وإذ كانت رائعة الجمال في عنفوان شبابها، نزل الأمير الشاب عند رغبتها وهو الذي تربى في قرطاجة ونهل من آدابها وفنونها وكحل عينيه بمفاتن حسناواتها. وحتى يجد له عذرا أمام القائد الروماني بعدم تسليمها له، تزوجها على الفور وقضى معها ليلته تلك في قرين قبل أن يدعوه شيبيون إلى معسكره ويذكره بأن الأميرة قبل أن تصبح زوجته هي، بوصفها زوجة سفاكس غنيمة حرب الحساب الشعب الروماني وليس له الحق في حرية التصرف فيما لا يملكه . حز ذلك في نفس الأمير المسيلي لكونه قطع عهدا على نفسه ألا يسلم زوجته للعدو، وقفل عائدا إلى خيمته منزويا حزينا مهموما، ثم نادى عبدا له مكلفا بالاحتفاظ بالسم الذي من عادة الملوك البرابرة تجرعه عندما يحل بهم خطب ليس لهم منه مفر، أمره بأن يحمل كأسا منه إلى صفنيبة وأن يبلغها بأن مَسْنِسِن على عهده الذي عاهدها به بالا يسلمها غنيمة إلى العدو غير أن قانون الحرب وبنود التحالف مع الطرف الروماني يمنعه من الاحتفاظ بها، وهي بالتالي حرية باتخاذ ما تراه تشريفا لها ولأبيها ولوطنها وللملكين اللوبيين الذين تزوجت بهما . تمعنت صفنيبة في خطاب زوجها الذي بلغه لها عبده، وردت بأنها تقبل عن طواعية الكأس الذي أهداه إياها مع اعترافها له بالجميل، غير أنها تتحسر على أن صبيحة يوم زواجها بالذات قد كانت صبيحة يوم موتها . ثم تجرعت السم دون تردد أو خوف
(عن Tite-Live, Histoire، 14-15، romaine, XXX تعريب المؤلف)
بيبليوغرافيا :
قنطر ( محمد حسين ، حنبعل ، بطل قرطاج والمتوسط تونس المغاربية لطباعة واشهار الكتب 2018 Gsell (Stéphane), Histoire ancienne de l’Afrique du Nord, t. III, Algérie, 1913-1920.
– Le Bohec (Yann), Histoire militaire des guerres puniques, Paris, Editions du Rocher, 1996.
الحبيب البقلوطي