الاغتصاب الزوجي لا يقتصر تأثيره على الجوانب الجسدية فقط، بل يترك آثارًا نفسية عميقة قد تلازم الضحية طوال حياتها. النساء اللواتي يتعرضن لهذه الممارسات العنفية غالبًا ما يعانين من اضطرابات نفسية متعددة، مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). هذه الاضطرابات لا تقتصر على الآلام العاطفية فقط، بل تؤثر أيضًا على قدرة المرأة على استعادة السيطرة على حياتها والشعور بالاستقرار النفسي.
تُشير الأخصائية النفسية شيماء المزوغي إلى أن السياق الثقافي والاجتماعي في المجتمع التونسي يعمق معاناة المرأة بعد تعرضها للاغتصاب الزوجي: “المرأة في مجتمعنا تُواجه شعورًا شديدًا بالذنب أو الخجل بعد تعرضها للاغتصاب الزوجي، خاصة إذا تم إقناعها بأنها تُبالغ في رد فعلها. هذا الشعور يُعززه غياب الفهم المجتمعي الصحيح لأبعاد العنف الزوجي”. تضيف سعاد أن هذا الشعور بالذنب قد يؤدي إلى انسحاب الضحية من طلب الدعم، مما يزيد من حجم العزلة النفسية التي تعيشها.
وفي هذا السياق، تؤكد المزوغي أن العلاج النفسي هو الأداة الأساسية لمساعدة الضحية على تجاوز هذه الأزمة. الهدف الرئيسي للعلاج هو تمكين المرأة من مواجهة صدمتها النفسية من خلال بناء الثقة بالنفس، ومساعدتها على التخلص من مشاعر الذنب التي تلاحقها. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر وجود شبكات دعم مجتمعي وأُسري عاملاً حاسمًا في تعزيز عملية التعافي، حيث يمكن لهذه الشبكات أن توفر الدعم العاطفي والمساعدة العملية للمرأة خلال رحلة تعافيها.
أما في ما يتعلق بأدوات التعافي وحماية المرأة، فتؤكد المزوغي على أهمية التسلح بالوعي والمعرفة. فإدراك المرأة لحقوقها الجنسية داخل الزواج يُعد خطوة أساسية في حماية نفسها من العنف. “على المرأة أن تدرك أن الموافقة ليست مفروضة بمجرد الزواج، بل هي حق مستمر لها، ويمكنها رفض العلاقة الجنسية إذا لم تكن راغبة في ذلك”، كما تُشير إلى أهمية طلب الدعم القانوني والنفسي، حيث يمكن للمؤسسات الداعمة مثل الجمعيات النسوية أو المستشارين القانونيين أن توفر الحماية والموارد اللازمة.
أخيرًا، تدعو المزوغي إلى ضرورة تعزيز التربية الجنسية في المجتمع التونسي، وهو موضوع لطالما كان يُعتبر حساسًا. التثقيف الجنسي يشكل أساسًا لبناء علاقات صحية تقوم على الاحترام المتبادل، ويُساهم في تغيير الثقافة المجتمعية التي قد تبرر العنف باسم “الزواج” أو “الطاعة الزوجية”.
كسر الصمت
ختمت ليلى قصتها بابتسامة تحمل قوة وجرحًا دفينًا: “بعد سنوات من الصمت، قررت أن أخرج من هذه العلاقة السامة. طلبت المساعدة القانونية والنفسية، ووجدت أنني لست وحدي. اليوم، أتحدث لأكسر الصمت الذي قيّدني طويلًا. الزواج لا يعني العبودية. جسدي، حياتي، وقراراتي ملك لي.”
قصتها وغيرها تدفعنا للتفكير في سؤال عميق: متى نكف عن اعتبار الزواج حصانة ضد المساءلة، ونبدأ في رؤية المرأة كإنسان كامل الحقوق داخل هذه العلاقة؟ الإجابة تبدأ عندما نجرؤ على كسر الصمت، فردًا ومجتمعًا.