نصف جميع حالات الحمل التي يبلغ مجموعها 121 مليون حالة كل عام في جميع أنحاء العالم، غير مقصودة، وفقا لتقرير 2022 لصندوق الأمم المتحدة للسكان وهو ما يؤكد الإخفاق العالمي في دعم حقوق الإنسان الأساسية للنساء والفتيات وفق تصرح المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان
وحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن حالة سكان العالم لعام 2022، أكثر من 60 في المائة من حالات الحمل غير المقصود تنتهي بالإجهاض، ويقدر أن 45 في المائة من جميع حالات الإجهاض غير آمنة، وهو ما يمثل 5 إلى 13 في المائة من جميع وفيات الأمهات المسجلة مما سيؤثر تأثير كبير على القدرة لتحقيق أهـداف التنمية المستدامة بحلول الموعد المستهدف لعام 2030
الحمل غير المبرمج، سواء كان غير مخطّط له أو غير مرغوب فيه، يعتبر من الظواهر التي تُثير اهتمامًا متزايدًا لما له من انعكاسات عميقة على واقع المرأة والأسرة في العالم
في تونس وتحديدا في دوز ووفق دراسة ميدانية من إعداد دار الشباب إبراهيم بن عمر دوز شملت 54 امرأة متزوجة 50% من النساء مررن بتجربة حمل غير مبرمج مرة واحدة على الأقل و35% منهن تكررت التجربة مرتين، و15% أكثر من مرتين رغم استخدام 40% من النساء وسائل منع الحمل لحظة حدوث الحمل
كل هذه الأرقام تطرح تساؤلات جوهرية حول فاعلية الوسائل المعتمدة أو مدى التزام النساء بتعليماتها، في حين أن 59.9% لم يستخدمن أي وسيلة منع، رغم مرورهّن بتجربة سابقة، وهو ما يكشف ثغرة فادحة في التوعية أو وجود معتقدات رافضة للوقاية ورغم التقدّم المسجّل في التثقيف الصحي وتوفر وسائل تنظيم الأسرة، فإن استمرار انتشار هذه الحالات يكشف عن خلل في الوعي المجتمعي والممارسات الوقائية ورغم تنوّع وسائل منع الحمل وتطوّرها في العصر الراهن الاّ ان اعتمدها في مدينة دوز تحديدا بقي محصورا بين اللولب (61.6%) وحبوب منع الحمل (38.9%)، أما مصادر الإرشاد فقد تنوعت بين مراكز تنظيم الأسرة والعيادات الطبية، غير أن نسبة مقلقة من النساء (22.3%) صرّحت باستنادها إلى نصائح الأصدقاء أو الأقارب، وهو مؤشر خطير يكشف اعتمادًا على مصادر غير مختصة في مسألة حسّاسة
أمّا على مستوى التأثيرات، لم يكن الحمل غير المبرمج حدثًا عابرًا، بل مسّ جوانب عدّة من حياة المرأة: المادية، الجسدية، النفسية، الزوجية، وحتى المهنية، ما يدل على طابع هذه التجربة المركّب والمثقل بالأعباء. وفي حوار للناشطة بالمجتمع المدني إسراء بن جليلة مع طبيبة مختصة بمركز تنظيم الأسرة، أكّدت أن الوسائل الوقائية متوفّرة ومجانية ومصحوبة بإحاطة نفسية، غير أن المشكلة تكمن أحيانا في المعلومات المغلوطة. وتُظهر نتائج هذه الدراسة أن الحمل غير المبرمج لا يرتبط فقط بغياب الوسائل أو المعرفة، بل بمنظومة اجتماعية وثقافية تحتاج إلى مراجعة. وفي هذا السياق، فإن المعركة ليست ضد الحمل في حدّ ذاته، بل من أجل قرار حرّ ومسؤول في شأن الإنجاب.
في الوقت الذي يُنظر فيه إلى الحمل كحدث طبيعي ومرغوب في سياقه الأسري، تبرز حالات الحمل غير المبرمج كأحد الملفات المسكوت عنها في مجتمعاتنا، بما تحمله من آثار نفسية وصحية واجتماعية على المرأة والأسرة ككل. ورغم توفر وسائل منع الحمل وتزايد الحديث عن التثقيف الصحي، فإن الواقع الميداني يروي قصص أخرى عن ظاهرة تتوسع بصمت وتحمل معاها تأثيرات جسيمة فالمعركة ليست ضد الحمل، بل من أجل قرار حرّ ومسؤول في شأن الإنجاب
بقلم:إسراء بن جليلة