No Widgets found in the Sidebar
يتألّف كتاب “الأدب الطفولي” من مجموعة من القصص القصيرة والمقالات وبعض القصائد التي تولَّدت من وحي الأبوة، بحيث تمزج بين الحكايات الشخصية والتأملات الفلسفية.

يتألّف كتاب “الأدب الطفولي” من مجموعة من القصص القصيرة والمقالات وبعض القصائد التي تولَّدت من وحي الأبوة، بحيث تمزج بين الحكايات الشخصية والتأملات الفلسفية. وهي تغوص في الحياة العائلية وقصصها من خلال مجموعة واسعة من الموضوعات، مثل الوقت الذي تقضيه العائلة أمام الشاشة وحضور مباريات كرة القدم، وكل ما يتعلق بالمكتبات الشخصية والصيد والمرض وغيرها. في جميع أنحاء الكتاب، يلتقط “زامبرا” نسيج الحياة اليومية والحقيقة العميقة حول كيف نشعر ونعيش، مع نظرة ثاقبة خاصة للطرق التي يتحدّى بها الآباء والأطفال بعضهم بعضًا ويُثرون ويكتشفون أنفسهم والطرف الآخر.

يؤكد “زامبرا” القوة التحويلية للأبوة، ويُشير إلى أنها سمحت له بالتواصل مجددًا مع طفولته واحتضان شعور الدهشة الذي غالبًا ما يتلاشى مع البلوغ. كما يسعى لالتقاط لحظات عابرة مع ابنه، سيلفستر، وهو يتنقل بين تعقيدات الذاكرة والهوية، كل ذلك وهو يمزج بين الفكاهة وبين رؤى مؤثرة حول حقائق الأبوة.

في جميع صفحات الكتاب نشعر بالنظرة العميقة والمرحة إلى أفراح تربية الأطفال وتحدياتها مع التأمل في طبيعة الأدب نفسه. ومن هنا عنوان الكتاب “الأدب الطفولي” الذي يتحدّى فيه “زامبرا” المفاهيم التقليدية لأدب الأطفال، بحجة أن كل الأدب يمتلك نزعة طفولية، لا سيَّما من منطلق أن الأدب يجب أن يستحضر شعورًا بالدهشة والفضول يشبه الشعور الذي يُختبر في الطفولة. يتردد صدى هذا الموضوع في جميع مقالات الكتاب، حيث يتأمل “زامبرا” في كيف أعادت الأبوة تشكيل فهمه للأدب ورواية القصص، ويؤكد أن الأدب ينبغي ألا يكون متعاليًا ولا مبسطًا، بل يجب أن يلتقط تعقيد التجربة الإنسانية وثراءها.

يستكشف الكتاب أيضًا العلاقات بين الآباء وأبنائهم، وكذلك بين “زامبرا” ووالده. فمن خلال بعض المقاطع القصيرة الرقيقة يوضّح كيف تتطور هذه العلاقات بمرور الوقت. كما تُصوَّر التفاعلات بين الأجيال المختلفة، الأب والابن، والجد والحفيد، بعمق عاطفي، وهو ما يسمح للقرَّاء بالتواصل مع تجاربهم العائلية الخاصة.

وعلى غرار كتاب “الأدب الطفولي”، يتكوَّن كتاب “الروابط” لمؤلفه لوكاس مان من اثني عشر مقالًا، يُلاحظ فيها كيف تبدو كل الأمور المتعلقة بالأبوة عميقة ومبتذلة في آنٍ، وأصلية على الرغم من اختبارها من قبل الملايين من البشر عبر التاريخ، بحيث يصبح الحديث عنها، فضلًا عن الكتابة عنها، أمرًا محبطًا ولا معنى له. ويُضيف “مان” إلى هذه المشكلة معضلة خاصة تتمثّل في كونه رجلًا يكتب عن رعاية الأطفال، وهو ما قد يبدو مصطنعًا على أسوأ نحو، أو شكلًا آخر من أشكال التظاهر الذكوري.

ومع أن جوهر مقالات الكتاب شخصيٌّ في الأساس، فإن “مان” يتبنى نهجًا أكثر تمثيلًا للأبوة، فهو يتفحّص كيف تُشكّل التوقعات المجتمعية الأدوار التي يمارسها الآباء في حياة أطفالهم. وبذلك تدور مقالاته بشكل أقل حول التأمل الذاتي وأكثر حول السرديات الثقافية المحيطة بالأبوة. فينتقد الذكورة التقليدية، ويستكشف كيف تؤثر البُنى المجتمعية في هويته بوصفه أبًا، كما يُشكّل التوتر بين الخبرة الشخصية والتوقعات المجتمعية موضوعًا متكررًا في عمله.

يتناول “مان” موضوعات واسعة، مثل مناقشة صعود “مدوني الأبوة”، ودور الفكاهة في الكتابة عن الأبوة، وتكريم جميل ومؤثر للفيلم الوثائقي “مذكرات آندي وارهول” (الذي يتناول الهوية الجندرية وعلاقتها مع عالم الفن). في إحدى المقالات البارزة بعنوان “الروابط.. البرية والأليفة”، يتناول العلاقة بين ابنته والعالم الطبيعي، مستخدمًا تفاعلاتها مع الحيوانات لاستكشاف أسئلة أوسع نطاقًا حول الإدراك والتعاطف. يجسّد هذا المقال قدرة “مان” على ربط الحكايات الشخصية بالاستفسارات الفلسفية، وهو ما يجعل تأملاته تتردد على مستويات متعددة. وتناقش مقالة أخرى فعل الأكل، وتحديدًا كيف يؤثر تصوير الممثل “براد بيت” للأبوة في الأفلام في تصوُّر “مان” لدوره أبًا، فيستخدم “مان” الممثل “بيت” بوصفه عدسة لفحص السرديات الثقافية التي تحدد الرجولة والأبوة، وينتقد من خلالها الصور المثالية للجسد، التي تُعرض غالبًا في وسائل الإعلام، ويقارنها بتجاربه الخاصة التي تكشف عن الفوضى وعدم تقبله لوزنه ولا لشكله الخارجي في الحياة الواقعية. هذا التحليل لا يُسلِّط الضوء على الانفصال بين التصوير السينمائي والواقع المعاش فحسب، بل يؤكد أيضًا الضغوط التي يواجهها الآباء للتوافق مع نماذج مثالية معينة.

باختصار، فإن الموضوعات الرئيسة في هذا الكتاب هي عبارة عن استكشاف للأبوة بوصفها هوية معقدة، بحيث يتنقل “مان” بين الطبيعة متعددة الجوانب للأبوة في مجتمع اليوم، ويتعامل مع التوقعات الثقافية ومشاعر انعدام الأمان.

وأخيرًا، يمكننا القول إن كلا الكتابين يدعو القرَّاء إلى التفكير في تجاربهم الخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الآباء وأبنائهم، مع تسليط الضوء على التعقيدات العاطفية المتأصلة في هذه العلاقات. كما يعملان بوصفهما تذكيرًا مؤثرًا بكيفية تشكيل تلك العلاقات لهوياتنا وتأثيرها في فهمنا للحب والانتماء والطفولة نفسها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُسهما في النقاشات المعاصرة حول الحياة الأسرية، بينما نتنقل بين الأفراح والتحديات المتأصلة في أكثر علاقاتنا الأسرية حميمية.