عن كابوسنا، يتحدّث ماريو إنفليزي و هو كابوس أي قارئ مهتم عن المنع، وعن المصادرة، وعن الأزمنة التي كانت تتساقط فيها الرؤوس من أجل الكلمات، كما حدث للمؤلّف الإيطالي ” فيرانتي بلافيتشينو ” الذي إستدرجته الكنيسة إلى أفينيون حيث فقد رأسه جزاء كتاباته ورغم القرون الأربعة التي مرّت إلا أن الرؤوس ما زالت تطير من أجل الكلمات ولكن إنحسر ذلك قليلاً و بقيت تُمارسه الأنظمة القمعية و الجماعات المتطرفة ..
يتتبع ماريو إنفليزي، البروفسور في جامعة البندقية و المتخصص في تاريخ الطباعة والنشر في كتابه هذا تاريخ الرقابة الأوروبية، منذ إختراع المطبعة وكيف نمت الرقابة و سيطرت عليها الكنيسة، ثم بدأ الصراع الديني و العلماني حول حرية النشر حتى الثورة الفرنسية عندما أقرّت حرية النشر في إعلان حقوق الإنسان والمواطن.
كان الصراع أحياناً دموياً، وكان أحياناً أخرى تأديبياً يكتفي بالمصادرة و السجن، وبدأت الكنيسة في إصدار قوائم الكتب الممنوعة لتمنع الكتب الدينية، والسياسية، والفكرية، وحتى الروايات التي ترى أنها إباحية أو مضادة للكنيسة، حتى وصل عدد العناوين في قائمة صدرت سنة 1711 إلى 11 ألف عنوان.
وكان الكتاب و الناشرون يتحايلون على الرقابة والمنع من خلال وضع أسماء وهمية على الكتب، أو دار نشر وهمية، أو أماكن إصدار وهمية، و المثقفون يسخرون من هذه القوائم الطويلة حتى أن أحد المثقفين الفرنسيين نصح بالحصول على الكتب الواردة في القائمة عند الرغبة في بناء مكتبة يُعتدّ بها.
ولا ينسى إنفليزي في طريقه الطويل إلى حرية النشر،ذكر الأسماء التي قالت كلمتها حول الموضوع، فيذكر خطاب الشاعر الإنجليزي الشهير ” جون ميلتون ” للبرلمان الإنجليزي في سنة 1644 م حول حرية الطباعة من دون رقابة، ورغم أن البرلمان لم يستجب لمناشدة الشاعر إلا أن إنجلترا كانت بالفعل أول دولة تُلغي الرقابة على النشر في سنة 1695 م
ولنفهم قيمة هذا العمل، يجب أن ندرك أن هناك الآلاف من الكتب التي يمكننا الوصول إليها الآن بسهولة وقراءتها بإستمتاع إما كانت على قائمة المنع ذات يوم، أو أنها مرشحة للدخول في تلك القائمة لو مازلنا نعيش في تلك العصور ..
يبقى أن نفهم أن توفر الكتب و سهولة الوصول إليها الآن، لا يعني إلا أن قائمة المنع الخارجية قد سقطت، ولكن لا زالت هناك قائمة منع طويلة في داخلنا لا زالت تجعلنا بعيدين عن فهم بعض الكتب، أو الاستفادة منها، وهذه القائمة لا يمكن إسقاطها إلا من الداخل.
#الفهد_الوردى