No Widgets found in the Sidebar
ن الخرافات وسوء الفهم التي تحوم حول مرض الفصام كبيرة، لأن أعراضه غامضة و غير مفهومة، لذا يكون هناك نسبة كبيرة من المشردين المصابين بالفصام بسبب إهمال في التشخيص المبكر

دعاء بن رمضان

يعترضني كل يوم بعد الظهر السيد “x” صدفة قرب منزلي ، مستلقيا على الأرض وحيداً ، غير عابئ بالحياة، لا تهمه الإنتخابات البلدية و لا يكترث بآخر التكنولوجيات الحديثة ، و يهمل كذلك كل ما له علاقة بالموضة و “الفاشن ستايل”، لكن لديه ذوقه الخاص و عالمه الغامض.

هو ذلك الرجل المتشرد أو بما يسمى ال “SDF”، كل ما يعرف عنه أنه يعيش على بقايا الطعام من المطاعم أو حاويات القمامة و يفتقد للمأوى و الأسرة. إن أغلب المجتمعات تظن أن من أبرز أسباب التشرد هو إفتقار الشخص للوظيفة و المال أو قد تكون سببها المشاكل الأسرية مثل طلاق الوالدين أو العنف الأسري.

كلها تعود إلى أسباب منطقية و مادية، سواء جراء كوارث طبيعية أو إنتشار الحروب أو طرد الساكنين من بيوتهم ، من أجل إقامة مشاريع أهم. لكن ماذا لو كانت هناك أسباب إرادية و لا واعية في ذاته؟

يبحث المجتمع في أغلب الأحيان على تفسيرات منطقية، مادية و ملموسة و يستنكر كل ما له علاقة بتفسيرات باطنية، ذاتية و جوهرية، لذا يجهل البعض أن من أهم الأسباب هو إحتمال الإصابة بالأمراض العقلية و تحديداً “السكيزوفرينيا” أو بما يسمى “”فصام العقل”.

بعد تجربتي في مستشفى الرازي بمنوبة، أصبحت أنظر للأشياء من مختلف الزوايا و اهتم أكثر باكتشاف نظرة المجتمع إلى الشخص “المتشرد”. كنت في ذلك الحين أحاول بقدر الإمكان توضيح هاته الفكرة السائدة الا وهي أن المتشرد فاقد السند بالضرورة أو طرد من المنزل العائلي ، لكن “السكيزوفران” هو الذي جعل من الأزقة و الشوارع عنواناً و بيتاً له ، بإرادته، فنحن الغرباء و نحن الذين اقتحمنا حرمة منزله.

هذا هو المنطق بالنسبة إليه، فقد يفقد المريض القدرة على التفكير بشكل واضح و متسلسل و يكون مقتنعاً بأفكار غير صحيحة و معتقدات غريبة، مثل تحدث المشاهير في التلفاز عنه و أنه يسمع أصوات تعلق على أفكاره و غيرها من الأعراض المهمة. لكن من أهم ما يعرف عنهم هو “”la fugue” أي الفرار و السفر المرضي. حيث يظهر على المريض انعزاله عن الآخرين و إهمال في العناية بنفسه و بنظافته الشخصية، و التنقل من مكان إلى آخر من دون وجود هدف محدد.
يعيش في عالم خاص به، حياتنا بالنسبة له مملة و غير آمنة، يحاول أن يصنع كوناً مغايراً و مختلفاً عن كوننا.

أعراض الفصام عديدة و تختلف من شخص إلى آخر. إذ أنه يفكر و يتصرف بشكل غريب و لا عقلاني دون أن يكون مدركاً للاعقلانية أفكاره و سلوكاته، لديه إقتناع بأن الكل يتآمر عليه ، لذا نجده في أغلب الأحيان صامتاً، هادئاً ، منعزلاً و حذراً مع تعابير وجه باردة و جافة.

إن الخرافات وسوء الفهم التي تحوم حول مرض الفصام كبيرة، لأن أعراضه غامضة و غير مفهومة، لذا يكون هناك نسبة كبيرة من المشردين المصابين بالفصام بسبب إهمال في التشخيص المبكر.

اخترت أن اتحدث على هذا الموضوع بصفتي اخصائية نفسية، اسعى دائماً إلى توضيح بعض المفاهيم السيكولوجية أو الأحداث التي يمكن أن تعترضنا في سائر الأيام. و نظراً لسوء إستخدام بعض المصطلحات في وسائل الإعلام و وجود نقص هام في توعية أفراد المجتمع بالأمراض العقلية و النفسية.