في كتابه “كتابة الذات في أفق الموت”، ينطلق الكاتب والباحث التونسي محمد صالح مجيّد في مغامرة فكرية وأدبية تستكشف حدود الوجود الإنساني، من خلال الكتابة باعتبارها فعلاً وجوديًا يُقاوم النسيان، ويستنطق التجربة الفردية أمام حتمية الموت. هذا الكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية، ولا هو تأمل شخصي معزول، بل هو كتابة هجينة، تتداخل فيها الأجناس، ويطفو على سطحها سؤال: كيف نكتب عن الذات حين يكون الموت هو الأفق الأخير الذي يحكمها؟
كتابة الذات بين الاعتراف والتفلسف
ينتمي هذا العمل إلى جنس ما يُعرف بـكتابة الأنا أو الكتابة الذاتية الفلسفية، حيث تتحول الذات الكاتبة إلى موضوع ومجال للتفكر، لا من خلال سرد حياة كُتبت لتُروى، بل من خلال مساءلة هذه الحياة ذاتها، وتشريح بنيتها العميقة، عبر مرآة الموت. إن مجيّد لا يقدم هنا سردًا خطيًا لحياته، وإنما يعيد بناءها مفهوميًا من خلال موت متخيل، حاضر في كل صفحة كظلّ دائم، كحدّ نهائي يشرط المعنى.
الكتابة كمواجهة مع الفناء
يضع المؤلف الكتابة في موضع المقاومة: مقاومة الزوال، مقاومة الفراغ، مقاومة العبث. فالكتابة بالنسبة له ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية، هي السبيل إلى حفظ ما يمكن حفظه من الذات قبل أن تُبتلع نهائيًا في الصمت. ولعلّ عنوان الكتاب، الذي يزاوج بين “الذات” و”الموت”، يكشف عن هذا الوعي الحادّ بأن الكتابة هي شكل من أشكال النجاة الرمزية، أو على الأقل، محاولة لتأجيل الفناء عبر اللغة.
عن الكاتب: محمد صالح مجيّد
محمد صالح مجيّد هو أحد الوجوه الثقافية التونسية البارزة في مجال النقد الأدبي والبحث الأكاديمي، وقد اشتهر بمقاربته الجادة لقضايا الأدب المعاصر، لا سيما ما يتعلق بكتابة السيرة الذاتية والتخييل الذاتي. يعمل أستاذًا في الدراسات الأدبية، وله حضور فعّال في الندوات والملتقيات الفكرية في تونس وخارجها. شارك في مناسبات ثقافية متعددة، من بينها ندوة حول الأديب التونسي الراحل محمد الباردي، حيث ناقش مفهوم السيرة الذاتية الروائية، كما رافق المشهد الثقافي في محطات حاسمة، مثل وداع المفكر أحمد حاذق العرف، في جنازة تحولت إلى لحظة تأمل جماعي في دور المثقف التونسي.
مجيّد ليس ناقدًا أكاديميًا بالمعنى الجاف، بل هو مثقف عضوي، يتقاطع في مشروعه بين الأدب والفكر والفلسفة، ويؤمن بأن النقد هو أداة كشف وتحليل، لا أداة حكم. ومن هنا، فإن أعماله – ومنها هذا الكتاب – تكشف عن رؤية فلسفية عميقة لمسألة الهوية، والزمن، والمعنى.