في السنوات القليلة الماضية، شهدنا منح جائزة نوبل للآداب لكتّاب كانت أسماؤهم مفاجئة للكثيرين، سواء من حيث استحقاقهم للجائزة أم لا. أما جائزة هذا العام، فقد ذهبت إلى الكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الذي كان مرشحاً لها منذ سنوات طويلة. يوسا، الذي يحظى بمكانة عالمية منذ عقود، تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الكبرى بما في ذلك العربية منذ أكثر من عقدين. في هذا المقال، تستعرض رانيا منير أبرز محطات حياته الأدبية، مع التركيز على رؤيته الخاصة للأدب ودوره في الحياة، فضلاً عن القضايا التي ركزت عليها أعماله.
في نصيحة وجهها لروائي شاب، قال ماريو بارغاس يوسا:
“الجوائز والاعتراف العام، ومبيعات الكتب، والشهرة الاجتماعية للكاتب، ليس لها مسار ثابت. بل هي مسارات تعسفية، قد تبتعد أحياناً عن من يستحقها وتثقل كاهل من لا يستحقها. ومن يظن أن النجاح والشهرة هما المحفز الأهم للأدب، قد يشهد انهيار حلمه. فالميول الأدبية الحقيقية هي تلك التي يعكف صاحبها على الكتابة كأفضل مكافأة له، دون الالتفات للنتائج الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد يحققها.”
ومع ذلك، وبعد سنوات من عدم حصول يوسا على جائزة نوبل، ها هو يظهر في عقده السابع بشعره الفضي وأناقة مميزة، ليُعلن أن جائزة نوبل تمثل اعترافاً بأهمية الأدب اللاتيني واللغة الإسبانية في العالم، وهي بمثابة تأكيد على قدرة أمريكا اللاتينية على إنتاج مفكرين وفنانين، بعيداً عن كونها مجرد مصدر للطغاة والثوار.
نشأته:
وُلد ماريو بارغاس يوسا في 28 مارس 1936م في مدينة أريكويبا البيروفية، لعائلة متوسطة الحال. انفصل والداه قبل ولادته، ليعيش مع والدته في بوليفيا حيث أخفته عن حقيقة الطلاق وأخبرته بأن والده توفي. وعندما انتقلت العائلة إلى ليما، التقى ماريو بوالده مرة أخرى، ليقضي سنوات مراهقته في حي متوسط.
كان ماريو محباً للقراءة، لكن والده كان يرى في ذلك مضيعة للوقت، فأرسله إلى مدرسة عسكرية ليُعلمه الانضباط. ورغم محاولات والده، استمر يوسا في ممارسة هوايته الأدبية. في سن الرابعة عشرة، بدأ يعمل صحفياً هاوياً، وعُرف عن نفسه بإصدار مجموعته القصصية الأولى عام 1957م.
مسيرته الأدبية:
تلقى يوسا منحة دراسية في جامعة كومبلوتنس في مدريد، ثم انتقل إلى باريس حيث بدأ الكتابة بغزارة. تأثر في بداية مشواره الأدبي بكل من سارتر، كامو، فلوبير، بورخيس، وسرفانتس، وكان قد ربطته صداقة مع غابرييل غارسيا ماركيز، إلا أن الخلافات السياسية بينهما أدت إلى قطيعة استمرت لثلاثين سنة.
أول رواية نشرها كانت “مدينة الكلاب” عام 1963م، التي انتقد فيها النظام العسكري في البيرو، ما أثار غضب الأكاديمية العسكرية البيروفية التي أحرقَت نسخاً من الرواية. ثم تبعها “المنزل الأخضر” عام 1965م، التي تناولت قضايا الفقر والتعصب في البيرو، و”محادثات في كاتدرائية” عام 1969م التي انتقدت النظام السياسي في البيرو.
أعماله الكبرى:
في عام 1981م، نشر يوسا روايته “حرب نهاية العالم”، التي تعد تحفته الفنية، والتي تناولت تاريخ البرازيل في القرن التاسع عشر. ثم جاء “حفلة التيس” عام 2000م التي تطرقت إلى الديكتاتورية في جمهورية الدومينيكان.
ماريو بارغاس يوسا ليس فقط كاتباً، بل أيضاً ناقداً حاداً، عُرف عن أعماله الشجاعة في معالجة قضايا المجتمع والحكومة. من أعماله الأخرى: “الحياة الحقيقة لاليخاندرو مايتا”، “من قتل بالومينو موليرو”، “قصة مايتا”، و”شيطنات الطفلة الخبيثة”.
ماريو بارغاس يوسا ليس مجرد أديب فحسب، بل هو شاهد حي على تطور الأدب اللاتيني وحامل لفكر نقدي قوي. تُظهر أعماله الأبعاد الاجتماعية والسياسية العميقة التي ترتبط بتجربة بلاده، كما تبرز رؤيته للأدب كأداة للتغيير والوعي.