في 5 أفريل 2016، فقدت الساحة الأدبية التونسية أحد أبرز شعرائها الذين نحتوا بالكلمات ملامح الوعي الجمعي لشعبهم. محمد الصغير أولاد أحمد، الذي وُلد في 16 ديسمبر 1955 في قرية سيدي بوزيد، كان شاعرًا لم يكتب فقط ليروي الأحداث، بل ليعكس روح شعبه بكل عذابه وأحلامه وآماله. كان يمثل بامتياز الشاعر الذي يتنفس مع واقع بلاده ويعبر عن أوجاعه، من خلال قصائد تُمزج فيها الأوجاع الشخصية بالآلام الوطنية.
شاعر ساهم بالكلمات التي حفرت في وجدان الشعب، خاصة في لحظات التحول العميقة التي شهدتها تونس. رحل عنّا في عام 2016، لكن شعره ما زال حيًا فينا.
نشيد الأيام الستة – البداية الشعرية
أصدر محمد الصغير أولاد أحمد ديوانه الأول “نشيد الأيام الستة” عام 1984. هذا العمل كان بمثابة شهادة على بداية مسيرته الشعرية، التي حملت في طياتها رؤى جديدة وفكرًا ثائرًا. في هذا الديوان، تجلت قدراته في التعبير عن الإنسان التونسي وواقعه الاجتماعي والسياسي. وظهر فيها تأثره بالأحداث التي مرت بها البلاد، مما جعله يكتب بأسلوب يسعى إلى تحفيز الوعي الجماعي.
ليس لي مشكلة – صوت مستمر في المقاومة
في ديوانه الثاني “ليس لي مشكلة” (1998)، يظهر محمد الصغير أولاد أحمد بشكل أعمق في محاكاته للواقع السياسي والاجتماعي. يتميز هذا العمل بالحسّ النقدي الصريح وتحديه للأوضاع القائمة، حيث يحمل بين أبياته رفضًا قويًا للظلم والفساد. كان الشاعر هنا يتناول قضايا التهميش والظلم، كما كان يحاول إيجاد سبل للتحرر من القيود المفروضة على الفكر والإبداع.
حالات الطريق – البحث عن طريق الثورة
“حالات الطريق” (2013) هو الديوان الذي جاء بمثابة تطور كبير في مسيرة الشاعر. في هذا العمل، يتجسد تمرد الشاعر على الوضع الراهن، خصوصًا مع تصاعد الأحداث السياسية في تونس. كانت الثورة التونسية قد اندلعت في هذه الفترة، ووجد محمد الصغير أولاد أحمد في الأحداث الثورية مصدر إلهام. كان يكتب الشعر الذي يتنفس الثورة ويغني لها، مشيرًا إلى التضحيات والآمال التي يعيشها الشعب التونسي في رحلته نحو الحرية والكرامة.
مسودة وطن – الكلمات في مواجهة الذاكرة
في “مسودة وطن” (2015)، أخذ الشاعر خطوة جريئة نحو التعبير عن جراحات الوطن في مرحلة ما بعد الثورة. كانت هذه الفترة محملة بالآلام والإحباطات، ولكنها أيضًا مليئة بالآمال المتجددة. يقدم محمد الصغير أولاد أحمد في هذا الديوان رؤيته لتونس، التي كانت تعيش مرحلة مفصلية بين الماضي والمستقبل، بين الحلم والواقع. الشاعر هنا يعبر عن الحيرة والتساؤلات التي أصابت الوطن في تلك اللحظات الفارقة.
أولاد أحمد – الموجة الأخيرة
“أولاد أحمد” (2015) هو الديوان الذي يحمل اسم عائلته، وهو بمثابة تقدير للروح الوطنية التي حملها في قلبه. في هذا العمل، نجد الشاعر يُنهي مسيرته الأدبية برسائل أخيرة، يحاول فيها توثيق اللحظات الأخيرة من عمره الفكري، مستعرضًا إرثه الشعري وتاريخ تونس الثوري. كان هذا الديوان بمثابة وداع من الشاعر لعالمه الأدبي، حيث طغى عليه الطابع الشخصي والذكري، ليكون بمثابة مرثية شعرية للوطن والأحلام التي لم تكتمل.
محمد الصغير أولاد أحمد: شاعر ثورة وحلم مؤجل
رحيل محمد الصغير أولاد أحمد في 2016 كان بمثابة خسارة كبيرة للأدب العربي عامةً وللتونسية خاصةً. هو الذي كتب عن الثورة، عن الألم، عن الحلم المؤجل، وعن الأمل الذي لا يموت. محمد الصغير أولاد أحمد لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا ينقل هموم الناس، وأحلامهم، ومراراتهم، بل كان أيضًا صوتًا فنيًا مقاومًا. يبقى شعره شاهدًا على مناضلته الطويلة من أجل تونس، ومن أجل الشعب التونسي الذي حلم به وتمنّاه.
في ذكرى رحيله، يبقى محمد الصغير أولاد أحمد شاعرًا حاضرًا بيننا في كل سطر كتبته يداه، وفي كل كلمة زلزلت وجدان شعبه. ديوانه وشعره هو مرآة للواقع التونسي في لحظاته الدقيقة، وكان له دور أساسي في نقل معاناة شعبه وتطلعاته. رغم مرور السنوات على رحيله، يظل تأثيره حيًا، فكلما لامست الرياح الذكريات، كان لشعره أن يُذكّرنا بالثورة التي حلم بها، وبالتحولات التي ما زالت مستمرة.