No Widgets found in the Sidebar
يهدف هذا الكتاب، كما يشير مؤلفه أستاذ الجغرافيا في كينجز كوليج بجامعة لندن، توني ألان، في مقدمته، إلى دفع كل من المستهلكين والمزارعين ليضطلعوا بمهمة إرساء أمن مياه العالم مستقبلًا

يهدف هذا الكتاب، كما يشير مؤلفه أستاذ الجغرافيا في كينجز كوليج بجامعة لندن، توني ألان، في مقدمته، إلى دفع كل من المستهلكين والمزارعين ليضطلعوا بمهمة إرساء أمن مياه العالم مستقبلًا. كما يستهدف الحكومات ذات الاقتصادات بالغة النفوذ، وتجَّار السلع الغذائية، وشركات تصنيعها وبيعها بالتجزئة؛ لحثهم جميعًا على الاضطلاع بالمهمة نفسها، كلٌّ فيما يخصه، وذلك من خلال شرح وافٍ لمفهوم “المياه الافتراضية” الذي استُحدِث في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي؛ إذ “يساعد تفهُّم الدور الحيوي الذي يضطلع به هذا المفهوم، في التوصل إلى أمن مائي عالمي، كلًّا من المستهلكين وحكوماتهم والشركات على اتخاذ الخيارات التي تؤمِّن سبل العيش والمجتمعات والمستقبل لكوكبنا”.

وفي مُجمله يدعو الكتاب القرَّاء إلى ضرورة ما سمَّاه” بلوغ الرشد فيما يتعلق بالمياه”، وهو عنوان الفصل الأول من فصول العمل الستة؛ أي الوصول إلى حالة من النضج في “فهم المياه” وهو الوضع المنشود الذي يعي فيه المستهلكون لهذا المورد قيمته وأهميته الحيوية؛ إذ إنهم يتعاملون معه في الوقت الراهن بالطريقة نفسها التي يستخدمون بها التكنولوجيا المعقدة من دون أي إعمال للفكر، وبغير معرفة بطريقة عملها، فهم يستعملونها في النهاية على الرغم من أن “كُنهها غائب عنهم”.

من هذا المنظور، يمكن للقارئ أن يعي المعنى المقصود بالمياه الافتراضية، المصطلح المركزي في هذا الكتاب. فهو يشير، حسبما يوضح المؤلف، إلى المياه المُدمجة؛ أي غير المرئية، التي تُستخدَمُ في عمليات إنتاج أغذيتنا كافةً، التي تُدلِّل عند إجراء حسابات دقيقة لها، بالنظر إلى النمو السكاني الهائل على كوكب الأرض، على نتيجة وحيدة مؤكدة هي أن البشر “مدمنو إفراط في استهلاك المياه”.

ولكي يُبسط هذا التصوُّر، يضرب توني ألان مثلًا بكمِّية الماء التي يستهلكها المرء في وجبه إفطاره، فثمَّة ظن أنها كمية لا تكاد تُذكر، فالماء موجود فقط في كوب الشاي أو القهوة، أو في قِدر الماء الذي نشربه في هذه الوجبة أو كوب الحليب الذي سنجد فيه بعض الماء عند تحليله، وهذا كله سيُراوح بين 300 و400 ملم من المياه على الأقل. لكن الحقيقة خلاف ذلك تمامًا، فالفنجان الصغير من “الإسبرسو”، كما نقرأ، “يحتوي على 140 لترًا من المياه”. وهنا يكتب المؤلف محاولًا التخفيف من دهشة القارئ: “لا يذهبن ظنك إلى أنني أعاني نوعًا من الاختلال، فهذه الكمية هي المياه الافتراضية الدفينة في القهوة، وتلك هي المياه التي استُخدمت في زراعة وإنتاج وتعبئة وشحن الحبوب التي تتحول إلى قهوة”، وهكذا يمكن حساب بقية مكونات وجبة الإفطار البسيطة اليومية من خلال النظر فيما تتطلبُه  من مياه افتراضية تدخل في مكوناتها، التي تجعل من المُلِح أن يدرك الإنسان كمية المياه الهائلة التي يستهلكها على مدار السنة ليقف على فداحة هذا الأمر وتأثيراته السلبية بشأن مورد لم تعد ندرته احتمالًا فحسب، بل باتت “واقعًا ملموسًا يُكابده كثيرون”.

وفي هذا السياق، سيظل مفهوم المياه الافتراضية، كما يُلفت المؤلف الانتباه، العلاج لمسألة ندرة المياه الإقليمية. لذلك، فإن إدراك البشر معنى تأثيرهم الإجمالي في موارد العالم المائية يمكن أن يتحقق فقط إن هم استوعبوا هذا المفهوم في مرحلة أولى، ثم روجوا له لاحقًا؛ فتتحقق الغاية منه التي ستتجلى، في النهاية، في استهلاك حكيم ورشيد للغذاء، ومن ثَمَّ لكميات المياه الافتراضية “المختفية” فيه.

وفي بقية فصول الكتاب، يستعرض المؤلف تجارب كثير من الدول الصناعية ودول الاقتصاديات النامية في الشأن المائي، ويُحلل ما أطلق عليه “تجارة المياه الافتراضية”، وهي المياه التي تُستخدم في إنتاج نسبة 15% من الغذاء المتداول تجاريًّا، التي لولاها لنشبت حروب لا تنتهي. كما يبحث في الدور الرئيس للمياه بوصفها قوة فاعلة وحاكمة من قوى الاقتصاد العالمي، داعيًا إلى إدارةٍ أفضل للبيئة المائية من خلال ترشيد الأساليب الصناعية المُتَّبعة في استغلالها؛ لتحقيق “الأمن المائي” الذي يعدُّ شرطًا لازمًا للحضارة البشرية لا تقوم من دونه؛ لأن المياه، باختصار، عامل فارق في “نهضة المجتمعات وانهيارها”.