“أجد غالبا ان اجابات امي وهي مصدري الاول للمعلومات مهم وتشعرني بالراحة والثقة خصوصا في هذه المواضيع لكنني أعي ايضا انها تعتمد غالبا على تجربتها الشخصية وقد لا تكون كاملة وعلمية لذلك احيانا ابحث عن معلومات في مواقع طبية عبر الانترنت”
هكذا صرحت لنا اميمة سليم وهي شابة من محافظة قلبي التي تقع جنوب البلاد التونسية عندما سألت عن معرفتها بحقوقها الجنسية والانجابية
وحال اميمة لا يختلف عن حالي اليافعين واليافعات بولاية قبلي خصوصا وفي كامل البلاد التونسية عموما
“وفي استبيان ميداني قد أجريت في ولاية قبلي حول مدى معرفة الشباب والشابات بحقوقهم الجنسية والانجابية قد تبين لنا 42,9 % من المراهقين والمراهقات لم يكن لديهم/هن علم مسبق بمرحلة البلوغ قبل أن تبدأ “
وقد اجريا هذا الاستبيان على 70 مراهق و مراهقة من ولاية قبلي فجاءت الاحصائيات تبين ان 42.9% من بينهم لم تكن لديهم أي معلومة مسبقة حول مرحلة البلوغ قبل أن تبدأ, هذه النسبة الكبيرة جعلت من الضروري التساؤل عن مدى تمتع هذه الفئة بحقوقهم الجنسية و الانجابية في ظل التعتيم الكبير الذي يحيط بهكذا مواضيع رغم كونها “جزء لا يتجزأ من الحق في الصحة” حسب ما أكدته لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في تعليقها العام رقم 22 لسنة 2016 و مدى خطورة هذا على الرفاه الجسدي, العقلي, و النفسي للمراهق/ة في ولاية قبلي خصوصا و تونس عموما.
واقع اجتماعي صادم يعمق ازمة الصمت
رغم ما تؤكده المنظمات الدولية والمحلية واخصائيون/ات الصحة الجنسية والإنجابية عن مدى أهمية الحصول على المعلومات الهامة والموثوقة حول الصحة الجنسية والإنجابية خاصة في مرحلة المراهقة عندما تبدأ التغيرات الجسدية بالظهور، في هذه الفترة الحرجة، يصبح من الضروري أن يفهم المراهق والمراهقة ما يحدث داخل اجسادهم وعقولهم ليس فقط لتجاوز المرحلة بسلام بل لاتخاذ قرارات سليمة تحميهم نفسيا وجسديا.
غير ان الواقع التونسي يؤكد الفجوة المعرفية الهائلة بين ما هو منشود وما هو موجود، اذ ان 45.8% من جملة المراهقين والمراهقات المشاركين/ات في الاستبيان أٌقروا أنهم لم يتلقوا تعليما حول الصحة الجنسية والإنجابية من قبل
“اولا بالنسبة المعلومات يستمد أغلب المراهقين معلومات حول الصحة الجنسية والإنجابية من أترابهم يعني الأصدقاء فيما بينهم او في حالات أخرى من الانترنت وعموما تكون هذه المعلومات مغلوطة وغير صحيحة او منقوصة وفي حالات أخرى تكون نابعة من تجارب وأراء خاصة لا صلة لها بالواقع او الصحة حين تراوحت مصادر الفئة الاخرى بين كل من الإنترنت، الاصدقاء والمدرسة وبنسبة أقل الاسرة”
هذا ما اكده أحد الاطارات التثقيفية في الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري مندوبية قبلي في تصريح لكاتبة المقال
وبالتالي تعيد هذه المصادر الى الاذهان ليس فقط أهمية الحصول على معلومات حول الصحة الجنسية والانجابية بل ايضا على ان تكون هذه المعلومات صحيحة، امنة، ومن مصادر موثوقة كالأطباء/طبيبات والأخصائيين/ات والمرشدين/ات لما قد تتسبب فيه المعلومات الخاطئة من انعكاسات جسيمة على المراهقين/ات كإحساسهم بالقلق
والارتباك ما يؤدي الى تراجع ثقتهم بالنفس أو حتى إحساسهم بالخجل من أجسادهم، تضخيم مشاعر الذنب أو الخوف نتيجة نقص الفهم والدعم، تكوين مفاهيم مشوهة عن الجسد والعلاقات والحقوق خاصة ان مروا ببعض التغيرات البيولوجية المختلفة عن أقرانهم ما يزعزع توازنهم النفسي وقدرتهم على بناء علاقات صحية وآمنة. غياب التوجيه ايضا قد يجر البعض وراء تجارب غير امنة بدافع الفضول او ضغط الأقران دون إدراك كامل عواقبها مثل العلاقات الغير المحمية او الوقوع في محتوى رقمي غير لائق
وفي هذا السياق يضيف متحدثنا بانه
“ كلما كانت المعلومة ناقصة خاطئة غير متوفرة تدفع بالشباب في عدة منزلقات ومتاهات كبيرة جدا تؤثر على الجانب الجسدي في غياب المعلومة والعلاج والدخول في دوامة ومتاهة كبيرة اجتماعية ونفسية لذلك كلما صححنا معلوماتنا حول الصحة الجنسية والإنجابية كلما أسرعنا في تحديد مسارنا لشباب ومراهق واعي مثقف محمي“
أين الأسرة من هذا …؟
لا تزال الأسرة تلعب دورا كبيرا وهاما في تثقيف وإيصال المعلومات لأبنائهم/وبناتهم والإجابة عن تساؤلاتهم خاصة تلك المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية إلا أن هذا الدور ما فتئ يتراجع شيئا فشيئا نتيجة لعدة أسباب منها تراجع الترابط الأسري.
“يعزف المراهق على التواصل مع الولي سواء أب او أم لغياب الحوار والتواصل الأسري فيما بينهم“،
نتيجة تأثير النظرة المجتمعية للمواضيع المتعلقة بالصحة الجنسية والانجابية واعتبارها من المواضيع التي يحرم الحديث عنها وتداولها، وغياب المعلومات عند الأولياء أنفسهم نتيجة لعدم حصولهم بدورهم على معلومات في مراحل سابقة، ما ينتج حلقة مفرغة يتوارثها الأجيال تلو الآخر…
كما سنبين في استبيان آخر أجريا قد شارك فيه 19 ولي وولاية من ولاية قبلي حول إذا ما كانوا قد تحدثوا/ناء مع أبنائهم/بناتهم مسبقا عن مرحلة البلوغ كمثال ليرد 57.9% منهم بالنفي.
كما يعزو البعض الآخر أن هذا التراجع هو نتيجة لامتناع المراهقين/ات بدورهم/ن في طرح هذه الاسئلة على ذويهم، اما بسبب شعورهم بعدم الامان والارتياح أو خوفا من ردود فعل سلبية مما يزيد من “أهمية دور الأسرة في كسر الحواجز بينهم وبين أبنائهم كحاجز الخوف والخجل لبناء ثقة بينهم وبين أبنائهم ليقبلوا بذلك على السؤال ويلجون إليهم مباشرة عند الحاجة دون الاعتماد على مصادر أخرى” حسب ما أكدته مباركة بالحاج وهي ولية
المدرسة… حضور صوري ام فاعل حقيقي؟
تمثل المدرسة الفضاء الأقرب للمراهق بعد الاسرة، مما يجعلها في موقع محوري لتقديم معلومة علمية موثوقة ومتكاملة حول الصحة الجنسية والانجابية، لكن الواقع يعكس قصورا واضحا على مستور البرامج المدرسية والمقاربات البيداغوجية، حيث يتم التطرق الى هكذا مواضيع في إطار دروس علمية بحتة كدراسة الجهاز التناسلي، دون التوسع في الجوانب النفسية او العاطفية او الاجتماعية المرتبطة بها، ولا يتم ايضا ربطها بمفاهيم الحماية، الحقوق، أو المواطنة الجسدية. بل ويطرح الموضوع لفترة قصيرة فقط خلال السنة التاسعة من التعليم الأساسي، فحين تحظى ببعض الجوانب الاضافية به فقط شعبتي الرياضيات والعلوم التجريبية في البكالوريا، مما يترك التلاميذ/التلميذات، خاصة في الشعب الادبية، التقنية والاقتصادية دون أدني إلمام بهذه المواضيع. هذا بالإضافة إلى العراقيل التي يتكبدها كل من الأساتذة/ الاستاذات والتلاميذ/ات عند دراسة محور التكاثر والصحة الإنجابية.
وفي هذا السياق يقول بسام كريم تلميذ سابق في معهد النور للمكفوفين ببئر القصعة بن عروس
“أتذكر موقفا مضحكا الى اليوم : استاذة في مادة علوم الحياة و الأرض, عندما دخلنا في المحور المتعلق بالصحة الانجابية قالت لنا :’اسمعوني لو صدرت من أحدكم ضحكة او سؤال فيه سخرية او اي تصرف غير جدي, سأرسل له استدعاء ولي امره و اطرده من القسم و من المعهد’ حينها استغربت ثم ضحكت, في النهاية, ما المشكلة من إخبار التلاميذ بكل ما يحتاجون معرفته؟ هو مجرد محور دراسي وضعته الوزارة” .
بالإضافة إلى الأستاذ/ة ودورها الهام في عملية التثقيف فإن الطب المدرسي أيضا لا يخلو بدوره من اهمية في تقديم معلومات مبسطة، موثوقة، تتناسب مع عمر المراهق/ة وسياقه/ها النفسي والاجتماعي، غير أن هذا الدور لا يزال محدودا في الواقع، ففي الغالب تقتصر تداخلات الطب المدرسي على فحوصات روتينية أو حملات تلقيح موسمية بالأساس او تشمل فقط بعض الجهات لأسباب متعددة منها نقص في الإطارات حسب ما أفاد به إطار في مصلحة الصحة المدرسية والجامعية بقبلي.
حين تقصي المعلومة مرتين: المراهقون/ات من ذوي وذوات الإعاقة خارج الدائرة
رغم أن الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة يتمتعون، نظريا، بنفس الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم، إلا أنهم يجدون صعوبة كبيرة في الوصول إلى المعلومات المتعلقة بصحتهم الجنسية والإنجابية خاصة المراهقين/ات الحاملين/لات إعاقات ذهنية أو حسية. “يعود ذلك إلى نقص المواد التربوية المبسطة، وغياب تأطير متخصص يأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم المختلفة ومستويات فهمهم ” حسب تصريح لنايلة عمر-مربية متخصصة في المركز النموذجي للتربية المختصة بسوق الاحد قبلي.
أيضا إلى الصور النمطية المجتمعية وما ترسخ من فكرة مغلوطة مفادها أن هذه الفئة لا تملك رغبات أو حاجات جنسية، وهو تصور لا يُلغي الواقع، بل يُخفيه، ويمنعهم من التعبير، الفهم، والوقاية.
هذا النفي المجتمعي لاحتياجاتهم يجعلهم أكثر عرضة من غيرهم للمخاطر والانتهاكات، بما في ذلك العنف الجنسي، الاستغلال، أو الدخول في علاقات غير صحية دون وعي أو حماية.
إذا تشير شهادات مختصين/ات إلى أن المراهقين/ات من ذوي وذوات الإعاقة غالبًا ما “يتعاملون/يعاملنا مع هذه التغيرات بشكل سطحي، دون وعي حقيقي بكيفية التصرف عند التعرض لموقف حساس أو خطر، نتيجة غياب التكوين الموجه في المؤسسات وفي الأسر”.
وما يزيد الوضع تعقيدا أن المنظومة الجامعية التي تكون الإطارات التربوية والصحية المختصة في رعاية الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، لا تتناول هذه المواضيع بالشكل المطلوب حيث أن البرامج التعليمية الخاصة بالمختصين/ات تعالج الصحة الجنسية والانجابية لدى هذه الفئة بطريقة سطحية، عامة، ومجزأة، دون التعمق في الاحتياجات الحقيقية، التغيرات البيولوجية الخاصة، أو طرق التواصل والتأطير التربوي الوقائي المناسب لها.
حلول موجودة تغيب عن أذهان اليافعين واليافعات: الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري “الفضاءات الصديقة للشباب”
يعتبر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (ONFP) من أبرز الهياكل التي تعمل على تمكين المراهقين والمراهقات من معلومات صحية دقيقة وآمنة حول الصحة الجنسية والإنجابية. ويقوم الديوان عبر فروعه الجهوية بتنظيم أنشطة تثقيفية ميدانية داخل المؤسسات التربوية، ودور الشباب، والأسواق، والفضاءات العامة، بهدف تبسيط المفاهيم، تصحيح المعلومات المغلوطة، وكسر الحواجز المرتبطة بالخجل أو الوصم الاجتماعي.
حسب ما أكده لنا أحد الإطارات في الديوان فرع قبلي:
“فان المندوبية الجهوية للأسرة والعمران البشري بقبلي تسعى الى تصحيح هذه المعلومات ونشر المعلومة الصحية الصحيحة والتأكيد على أحقيتها لجميع المراهقين والشباب وذلك من خلال فرق متنقلة واطارات تثقيفية موزعة على كامل ولاية قبلي بكل معتمديتاها من خلال الحصص التثقيفية في المدارس المعاهد والاعداديات الجامعة دور الشباب والرياضة قاعات الرياضة الجمعيات الفضاءات المفتوحة الأسواق المهرجانات…
ولمزيد التحفيز والترغيب في الحضور والمشاركة تتنوع الانشطة من حصص تثقيفية الى ايام مفتوحة الى مسابقات في الرسم المسرح تظاهرات جهوية….
تعمل بالأساس على أهمية الجانب الوقائي الحمائي تصحيح المعلومات المغلوطة التأكيد على الحق في المعلومة الصحية الصحيحة ومن هذا الأساس نعمل على جملة من الانشطة الصيفية الموجهة أساسا للشباب تحت شعار الصحة الجنسية والإنجابية المعلومة من حقك”
من بين الآليات التي اعتمدها الديوان أيضا على المستوى الوطني، نجد الفضاءات الصديقة للشباب، وهي فضاءات تهدف إلى تسهيل الوصول إلى معلومات صحيحة ومبسطة حول الصحة الجنسية والإنجابية، مع تقديم خدمات متكاملة تشمل التوعية، الإصغاء، الدعم النفسي، والإحاطة الاجتماعية، يشرف عليها فرق مختصة تضم أطباء، أخصائيين نفسيين، مرشدين اجتماعيين، ومكونين تربويين مدربين على التعامل مع فئة الشباب.
كما وتقدم داخلها حصص تثقيفية وورشات تفاعلية حول مواضيع البلوغ، العلاقات، الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا، العنف، والتمييز، إضافة إلى أنشطة فنية وثقافية تهدف إلى تعزيز الثقة بالنفس وتنمية المهارات الحياتية. كما تضمن هذه الفضاءات خصوصية المستفيدين وسرية المعطيات، مع توفير خدمات خاصة تلائم حاجات ذوي وذوات الإعاقة، لذلك تعد اليوم آلية أساسية لتعويض غياب الحوار داخل الأسرة أو المدرسة، وتمكين المراهقين/ات من فضاء محترم يجيب على تساؤلاتهم ويحميهم من المخاطر.
لكن رغم أهمية هذه الفضاءات، فإن الوعي بوجودها لا يزال ضعيفًا او حتى منعدما لدى فئة كبيرة من المراهقين/ات، كما أنه وفي بعض الولايات مثل قبلي لم تشهد بعد افتتاح فضاء فعلي
ويضيف لنا إطار في الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بقبلي
“بان الفضاء الصديق للشباب هو موجود لكن لعدة اعتبارات إدارية تعطل الافتتاح لكن هذه السنة 2025 أصبح متاح للشباب ونعمل على تطويره ورغم كل شيء فإن الشباب يتمتع بكل الخدمات التوعوية والصحية حتى قبل افتتاح الفضاء بمعنى الفضاء صحيح يساهم في تسهيل وتقريب الخدمات وإحساس الشباب بشيء من الخصوصية إلا أنه يبقى العمل على تطويره وجعله يلبي متطلبات الشباب اولوية مطلق”
لم تتوقف جهود الديوان هنا بل في محاولة لمواكبة التحولات الرقمية وواقع استخدام المراهقين/ات للإنترنت كمصدر أول للمعلومة، قام بإطلاق تطبيقات رقمية مثل ONFP+ وSexo Santé، تسعى إلى تسهيل الوصول إلى محتوى صحي وآمن بلغات وأساليب بسيطة.
“وتأكيدا على خدمات الموجهة لذوي الاعاقة وتسهيل الوصول للمعلومة أطلق الديوان تطبيقه خاصة في هذا الإطار +onfp يجد فيها المراهق/ة ذوي/ذات الاعاقة كل الاجابات والاستفسارات التي قد يحتاجها كذلك تعتبر بوابة أولى نحو توجيههم لخدمات الصحة الجنسية والانجابية ومراكز المندوبيات والصحة الانجابية الاقرب لهم”
محمد الزايري وتيماء شنينة