شهدت الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، اختتام فعاليات الدورة التدريبية “الحفظ الإنشائي للمباني التراثية”، التي نظمها المركز الدولي لدراسة حفظ وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم) بالتعاون مع مركزه الإقليمي في الشارقة. استمرت الدورة على مدار ثلاثة أسابيع، وشارك فيها أكثر من 200 متخصص وخبير من المنطقة العربية ومناطق أخرى حول العالم.
جاءت الدورة كجزء من جهود المركز لتعزيز المهارات المهنية في مجال صون التراث الثقافي، الذي يشكل ذاكرة المجتمعات ويمثل إحدى ركائز هويتها الثقافية. قُدمت المحاضرات من قبل نخبة من الخبراء العالميين، مثل الدكتور المهندس أيمن حرز الله، المتخصص في تصميم وترميم المباني التاريخية من مؤسسة غروتشي في إيطاليا، والدكتور المهندس مروان الهيب، صاحب الخبرة التي تزيد على 41 عامًا في الهندسة الإنشائية وتقييم المخاطر من جامعة لورين في فرنسا.
ركزت المحاضرات على عدد من المحاور الأساسية التي تضمنت التعريف بمكونات مشاريع الحفظ الإنشائي وتقنيات البناء التقليدية، مع استعراض مواد البناء ومبادئ الإنشاءات المعمارية. كما تم التطرق إلى أساليب الفحص والتقصي وتحليل المشكلات الهيكلية في المباني التاريخية، إضافة إلى تقنيات التدعيم المؤقت والدائم.
وكان لتأثير الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والحرائق، نصيب مهم في النقاشات، حيث أكد الخبراء على أهمية فهم المخاطر المرتبطة بهذه الظواهر وتحليل المواقع باستخدام أدوات حديثة، مثل المسح بالليزر والنمذجة الرقمية. واستعرضت الدورة أيضًا الأساليب التقليدية التي طورتها الحضارات القديمة لضمان استقرار الهياكل، مع التركيز على دراسة حالات واقعية لمبانٍ أثرية تعرضت لتحديات إنشائية.
في المرحلة الثانية من الدورة، انتقل المحاضرون إلى موضوع تقييم المخاطر وتشخيص الأضرار التي قد تصيب المباني التاريخية نتيجة الإهمال أو التدخل غير السليم. وشملت النقاشات أمثلة من مواقع مختلفة أظهرت العواقب المحتملة لمثل هذه المشكلات. كما تم التركيز على أهمية التدخل الطارئ في حالات الخطر، بهدف حماية المباني وضمان سلامتها الهيكلية.
اختتمت الدورة بجلسات تفاعلية ناقش خلالها المشاركون التحليل الهيكلي للمباني، سلوك مواد البناء التقليدية، ومعالجة نقاط الضعف والشقوق التي تهدد استقرار المباني. كما أكد المشاركون على ضرورة اتباع نهج مستدام في صيانة وترميم المباني التراثية، مع الالتزام باستخدام مواد متوافقة مع الأصل التاريخي للمباني والتدخل بأقل قدر ممكن، لضمان إمكانية التراجع عن هذه التدخلات مستقبلاً إذا دعت الحاجة.
وفي تصريح على هامش الدورة، أوضح المهندس أنور سابق، مدير الدورة ومسؤول برامج التدريب في مركز إيكروم الإقليمي، أن هذه الفعالية تعكس التزام المركز بتعزيز قدرات المهنيين في المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن تنظيم الدورة عبر الإنترنت أتاح فرصة للعديد من المهتمين والمتخصصين الذين لم يكن بإمكانهم الحضور شخصيًا للمشاركة في هذا البرنامج.
وأضاف سابق أن الدورة ليست سوى بداية لسلسلة من الفعاليات التدريبية التي يخطط المركز لتنظيمها مستقبلًا، سواء عبر الإنترنت أو بشكل حضوري، بهدف تناول موضوعات متخصصة تلبي احتياجات العاملين في مجال الحفاظ على التراث.
تؤكد هذه الدورة، بما قدمته من خبرات ونقاشات، على أهمية المراقبة المستمرة والصيانة الوقائية والدورية للمباني التاريخية في المنطقة العربية، باعتبارها ضرورة للحفاظ على التراث الثقافي وضمان استدامته للأجيال القادمة.