No Widgets found in the Sidebar

رواية المنسيون بين ماءَيْنِ للكاتبة البحرينية ليلى المطوّع تمثل عملاً أدبياً متنوع الطبقات، حيث تجمع بين الطرح الاجتماعي والفلسفي بلغة شعرية وعميقة. يلاحظ القارئ منذ البداية أن الرواية تعتمد على عنصرين رئيسيين: البحر والتقاليد الاجتماعية في مجتمع ذكوري، ليغدو البحر في الرواية رمزاً للحرية من جهة، والموت من جهة أخرى، فيما تكشف التقاليد الصارمة عن المساحات المغلقة التي تحد من إمكانيات الشخصيات.

البحر: مجاز مركب وموضوع للبحث

من أولى السمات الملفتة في الرواية هي العلاقة المعقدة بين الشخصيات الرئيسية والبحر، الذي يصبح عنصراً مركزياً في تطور الأحداث. البحر هنا ليس مجرد خلفية، بل هو كائن حي يتفاعل مع الأحداث ومع الشخصيات ذاتها. يتخذ البحر عدة أبعاد في الرواية: فهو مكان للموت، ولكنه أيضاً مكان للنجاة، ورمز للتمرد والبحث عن الذات.

سليمة، بطلة الرواية، تسعى للهروب من قسوة المجتمع والظروف التي تحيط بها، وتحاول إيجاد مكان أرحب يمكنها فيه أن تكون ذاتها. البحر يمثل بالنسبة لها هذا المكان، وهو عنصر تتنقل من خلاله بين الحياة والموت، بين اليأس والأمل. في مشاهد عديدة، يعكس البحر تقلبات نفسية عميقة ويغدو مرآة لحالة الشخصيات التي تسعى للنجاة من ضغوط المجتمع.

الصراع الأنثوي في مجتمع ذكوري

أحد المواضيع المركزية في الرواية هو الصراع الأنثوي في مجتمع مليء بالقيم الذكورية. تُعرض النساء في الرواية كمجموعة عالقة بين تناقضات قاسية، إذ يجدن أنفسهن محاصرات بين المسؤوليات الاجتماعية، مثل الزواج وإنجاب الأطفال، وبين رغباتهن الشخصية في الحرية والتحقق الذاتي.

شخصية سليمة، على سبيل المثال، تمثل نموذجاً للمرأة التي تحاول كسر القيود الاجتماعية، ولكنها تجد نفسها دوماً في مواجهات مع المجتمع الذكوري الذي يحدد دورها بشكل صارم. وفي ذات السياق، تظهر شخصية الخرنق، التي هي صورة أخرى للمرأة التي تعيش تحت وطأة التقاليد، والتي تشعر بالذنب تجاه رغباتها الخاصة.

من أبرز عناصر الرواية هو تفاعل الشخصيات مع الأحداث وتطوراتها النفسية. إن الشخصيات في المنسيون بين ماءَيْنِ تتسم بالعمق والتعقيد، ولا تقتصر على الأدوار النمطية التي يضعها المجتمع لها. وتتمثل هذه الصراعات في محاولات الشخصيات التغلب على واقعها القاسي، أو التكيف معه على أقل تقدير.

سليمة، التي تظل محورية طوال الرواية، هي مثال على البطلة التي تحاول إيجاد مكانها في عالم يتم تحديده بشكل صارم من قبل المعايير الاجتماعية. بينما صفوان يمثل الرجل الذي تتناقض مشاعره بين كونه أبا محبا وأحد ضحايا التقاليد التي تضغط عليه ليظل مثالاً للرجولة التقليدية.

الرمزية الاجتماعية والسياسية

سليمة، بطلة الرواية، تسعى للهروب من قسوة المجتمع والظروف التي تحيط بها، وتحاول إيجاد مكان أرحب يمكنها فيه أن تكون ذاتها. البحر يمثل بالنسبة لها هذا المكان، وهو عنصر تتنقل من خلاله بين الحياة والموت، بين اليأس والأمل. في مشاهد عديدة، يعكس البحر تقلبات نفسية عميقة ويغدو مرآة لحالة الشخصيات التي تسعى للنجاة من ضغوط المجتمع.

تقدم الرواية نقدًا اجتماعيًا عميقًا يتمحور حول التقاليد التي تتحكم في حياة الأفراد، وخاصة النساء. تقف الرواية ضد الفكرة القائلة إن العادات والتقاليد لا يمكن تغييرها، بل تدعو إلى فحصها والنقد البناء لها. الشخصيات في الرواية تكشف عن تأثير هذه الأنماط التقليدية على حياتهم اليومية، وكيف يمكن أن تكون بمثابة سجن معنوي.

المرأة في مواجهة البحر: تحليل نسوي لرواية ‘المنسيون بين ماءَيْنِ

في تناولنا لرواية المنسيون بين ماءَيْنِ من خلال منظور الدراسات النسوية، نجد أنها تمثل حقلًا خصبًا للبحث والتحليل، حيث تطرح الرواية قضايا اجتماعية معقدة تتعلق بمكانة المرأة في المجتمع العربي التقليدي. من خلال الغوص في النص، يمكننا استكشاف العلاقة بين الرواية وموضوعات مثل الهيمنة الذكورية، والحرية الفردية، والنضال من أجل الاستقلال الذاتي للمرأة.

إحدى السمات البارزة في الرواية هي شخصية سليمة، التي تمثل تمردًا ضد النظام الاجتماعي الذي يفرض قيودًا على النساء. في العديد من الأدبيات النسوية، يُنظر إلى تمرد المرأة على أنها خطوة نحو التحرر من السلطة الأبوية والقيود الاجتماعية. فوفقًا لجوديث باتلر، في عملها حول نظرية النوع الاجتماعي، تكون الهوية الجنسية قابلة للتمثيل، وبالتالي فهي عرضة للمقاومة والتغيير. في هذا السياق، فإن مقاومة سليمة للمجتمع تؤكد على هذا المفهوم: المرأة قادرة على تجاوز الدور التقليدي الذي يُفرض عليها وتشكيل هويتها الخاصة بعيدًا عن الهيمنة الذكورية.

النساء والهويات المنفصلة

تستعرض الرواية تمثيل النساء في مجتمعات تقليدية، حيث تتناقض هوياتهن مع الأدوار المفروضة عليهن. في هذا الإطار، يتمثل أحد أبرز الموضوعات في الرواية في الفكرة النسوية حول التحرر من الهوية الجبرية. بحسب ميشيل فوكو، فإن الهوية لا تُشكل في فراغ، بل من خلال قوى اجتماعية تؤثر على الأفراد. الشخصية النسائية مثل سليمة تمثل هذا الصراع بين الهوية المفروضة والهوية الذاتية التي تحاول النساء تأسيسها في المجتمعات التي تظل تقليدية.

الرواية تظهر التحديات التي تواجه النساء اللواتي يحاولن كسر هذا السقف الاجتماعي الثقافي، مثل العلاقة بين سليمة والخرنق. الأولى تبحث عن الأمل والفرصة للهروب من عالم مغلق، بينما الثانية تظل مرتبطة بالقيود الثقافية التي ترى أن الحفاظ على “الشرف” هو أولى أولويات المرأة.

من خلال لغة الرواية التي تتراوح بين الشاعرية والمباشرة، تتبين لنا رؤية كاتبتها النسوية التي ترفض التهميش الاجتماعي للمجتمع العربي. يظهر هذا من خلال حوار داخلي متواصل بين الشخصيات الرئيسية، والتي تشير إلى نوع من الوعي الجديد بالذات والرغبة في كسر القيود التي تحد من حريتها. في الأدب النسوي، يتم التركيز على الأصوات المهملة والمستبعدة، وخاصة تلك التي تنبع من النساء في المجتمع التقليدي. يبرز هذا من خلال أسلوب السرد الذي يسعى إلى إعطاء صوت للمنسيين من النساء، الذين يتم إسكاتهم عادة في الروايات السائدة.

في قراءة نسوية للرواية، نلاحظ أنها تعمل كأداة مقاومة ضد الطبقات الاجتماعية التي تساهم في تهميش النساء. من خلال تصوير معاناتهن ورفضهن للواقع المفروض عليهن، تقدم الرواية رؤية حادة للطبقات الاجتماعية المهيمنة التي تصوّر النساء ككائنات خاضعة للمعايير التقليدية. وبالتالي، فإن الرواية تساهم في التحدي الثقافي الاجتماعي ضد تلك الأنظمة التي تمارس القمع من خلال أيديولوجيات الجندر التقليدية.

من خلال رؤية نسوية، تعد المنسيون بين ماءَيْنِ عملاً أدبيًا يعكس صراع النساء العربيات ضد المجتمع التقليدي الذي يفرض عليهن أدوارًا معينة. تتجاوز الرواية ككونها سردًا قصصيًا لتصبح منصة نقدية، حيث تقدم صوتًا حقيقيًا للنساء اللواتي يواجهون القوى الاجتماعية والسياسية المهيمنة. بهذه الطريقة، تُظهر الرواية أن التحليل النسوي للأدب لا يعني فقط التحدث عن التمرد، بل أيضًا يعنى باستكشاف الإمكانات المختلفة للمرأة في بناء هوية جديدة تنبع من الذات بدلاً من الخارج.

لعلي بن علي