No Widgets found in the Sidebar

 

صحة على الهامش: نساء في مواجهة الصمت حول الإجهاض 

في أحد مراكز الرعاية الأساسية وسط أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة تونس، قصدت “عربية” (اسم مستعار، 27 سنة) العيادة على أمل أن تجد من يصغي إليها. حمل غير مرغوب فيه، وقلق لا يفارقها. حين حاولت طلب الاستشارة بشأن إمكانية الإجهاض، قوبلت بكلمات جارحة  “شكون قالك حل ساقيك وجربع الصغار ؟ تحمّلي مسؤوليتك وربّي الطفل” خرجت عربية محطّمة، لا بسبب الرفض فحسب، بل لأن المعاملة حولتها من امرأة تطلب خدمة صحية قانونية إلى موضع إدانة أخلاقية، وفق تعبيرها. تقول: “شعرت أنني كائن غير مرئي. لم أكن أطلب امتيازًا، بل حقًا مكفولًا قانونًا. لكنهم جعلوني أخرج مكسورة، مذنبة، منكسرة الكرامة.

 قصتها ليست استثناء، بل نموذج متكرّر لنساء كثيرات يُواجهن صعوبات مضاعفة في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وعلى رأسها الحق في الإجهاض، رغم أن القانون التونسي يكفل ذلك.

 بين القانون والواقع: فجوة تتسع 

تُجيز مجلة الصحة العمومية التونسية الإجهاض منذ 26 جانفي 1973، دون الحاجة إلى إذن الزوج أو أي جهة أخرى، شرط أن يتم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. رابط القانون

 http://www.legislation.tn/detailtexte/Loi-num-73-2-du-26-janvier-1973-jort-1973-009__1973002000021 

ورغم هذا التقدّم القانوني، إلا أن المعطيات الميدانية تكشف تراجعًا مقلقًا في التطبيق. فبحسب المرصد الوطني للصحة لسنة 2023، شهدت تونس انخفاضًا بنسبة تفوق 40% في عدد حالات الإجهاض في المؤسسات العمومية مقارنة بعقد مضى، مقابل ازدياد ملحوظ في حالات الإجهاض غير الآمن، والتي تقدّرها منظمات دولية بنسبة 60% من الحالات في المناطق المهمّشة منظومة خدمات تفتقر للحياد والمشورة.

 تُشير منيرة (23 سنة) إلى تجربتها قائلة: “طلبت موعدًا لاستشارة حول وسائل منع الحمل. طُلب مني العودة لاحقًا، ثم قيل لي إن الطبيبة غائبة. في كل مرة يُقابل طلبي بالتسويف، أو بعدم الإجابة أصلاً وراء هذه التفاصيل، تختبئ منظومة صحية تشكو من نقص الموارد، وغياب التكوين، وهيمنة الخطاب الأخلاقي على الخدمات الطبية،تضيف منيرة “أصلا الدخول لمراكز الصحة يعتبر وصمة عار لكل امرأة في الحي،بالنسبة إليهم دخولك يعني أنك ستجهضين “طفل في   الحرام” في حين انني طلبت وسائل منع حمل وانا متزوجة ولا ارغب في الانجاب حاليا

 

وفي هذا الاطار ،تُوضّح إيناس بن سليمة، الأخصائية النفسية، أن الضغط النفسي على النساء في هذه الوضعيات قد يتفاقم: “تلجأ النساء إلينا وهن في حالة من الانكسار، و يعانين من أعراض ما بعد الصدمة، وتدهور تقدير الذات، وأحيانًا من نوبات هلع أو أفكار انتحارية. شعوره بالذنب لا يأتي من التجربة نفسها بل من وصمة المجتمع ومؤسسات يفترض أن تحميهن.” 

 رواسب أخلاقية داخل المرافق الصحية

حنان،امرأة تبلغ من العمر 37سنة منعت من ممارسة حقّها في الاجهاض بعد معرفتها المسبقة باعاقة جنينها، لكن رفض زوجها و عائلتها و اتهامها بالكفر حال بينها و ممارسة الحقّ،تروي قصتها بعد أن طلقها زوجها لأنها أنجبت طفلا لديه إعاقة

 يُوضح زهير بن جنّات، الأخصائي الاجتماعي، أنّ الانحياز الأخلاقي لبعض العاملين الصحيين يشكّل أحد أبرز عوائق النفاذ إلى خدمات الإجهاض: “تُمارس بعض الإطارات الصحية نوعًا من الرقابة الأخلاقية، إذ يُنظر إلى المرأة في وضعية حمل غير مرغوب فيه كخارجة عن الأخلاق، لا كمواطنة تطالب بحقها الصحي. هذا الانزياح من خدمة المواطن إلى الحكم عليه يضر بمصداقية المنظومة بأكملها.” وتؤكد دنيا الوسلاتي، الأخصائية في الصحة الجنسية، أن المختص في علم الاجتماع :زهير بن جناتالمشكلة بنيوية: “لا يزال الجانب الحقوقي ضعيف الحضور في تكوين الأطباء والطبيبات. المفارقة أنّ القانون واضح، لكن الممارسة تُمليها القناعات الشخصية، ما يحوّل المراكز الصحية إلى فضاءات للتمييز بدل أن تكون ملاذًا للنساء” 

من جهتها تبين القابلة بسمة النوري أن سبب الخلط وعدم الفهم هوعدم تمكن القابلات بالمعارف اللازمة مبينة ” لقد وجدت الدعم المعرفي من المجتمع المدني وهو ما يذلل الصعوبات بالنسبة لي

 

  جهود المجتمع المدني: CVTA نموذج تغييري

 

تعمل مجموعة توحيدة بن الشيخ على سد الفجوة بين القانون والممارسة، من خلال تبنّي مقاربة توضيح القيم لتحويل المواقف”، وهي منهجية تسعى إلى تغيير العقليات داخل القطاع الصحي. هاجر ناصر، منسّقة بالمجموعة، توضح: “كنا ندرك أن المشكلة ليست في غياب القوانين فقط، بل في المواقف التي تُعيق تفعيلها. لذلك أطلقنا مشروعًا بالشراكة مع منظمة صحة الجنوب لتكييف الدليل مع السياق التونسي. تمت ترجمته إلى اللهجة التونسية وتدريب 29 إطارًا صحيًا من 4 جهات (بينها توزر وسوسة).” وقد حقق المشروع نتائج ملموسة بمشاركة 8 مكوّنات محليات وتُضيف ناصر: “اليوم نؤمن أكثر من أي وقت مضى أن تعزيز الحقوق الجنسية والإنجابية لن يمر إلا بتغيير جذري في العقليات داخل القطاع الصحي.”

الإجهاض خارج القانون: خطر صامت في ظل غياب الخدمات، تلجأ بعض النساء إلى قنوات غير رسمية للحصول على أدوية إجهاض عبر الإنترنت أو مجموعات مغلقة على وسائل التواصل. بعض هذه الأدوية تُستورد بطريقة غير قانونية، وتُستخدم دون مراقبة طبية، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى النزيف، الالتهاب، أو حتى الوفاة

إنّ معركة النساء في الأحياء الشعبية مع الإجهاض ليست فقط مع مركز صحي أو موظّف غير متعاون، بل مع منظومة ثقافية وأخلاقية تُصنّف أجسادهن وأخلاقهن قبل أن تُعاملهن كمواطنات. وبين نص قانوني تقدّمي

وممارسة ميدانية متراجعة، تظلّ آلاف النساء في تونس يُدفعن نحو الخفاء، نحو العنف النفسي، وأحيانًا نحو الخطر

مقال من إعداد نجوى الهمامي