في مشهد عالمي مضطرب، حيث تشهد الإنسانية عواقب الحروب والمآسي، تأتي الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية في تونس، من 23 إلى 30 نوفمبر 2024، كمنصة فريدة للاحتفاء بالمسرح كفن مقاوم يجسد روح التحدي والنضال. هذه التظاهرة ليست فقط مناسبة فنية بل فعل إنساني وجمالي، يجمع المبدعين من شتى أصقاع العالم لتبادل التجارب وطرح القضايا التي تعصف بالوجدان العالمي، وعلى رأسها الإبادة والصراع من أجل الحرية.
“المسرح مقاومة أو لا يكون”
في كلماتها الافتتاحية، شددت السيدة هند مقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات الثقافية، على أن المسرح كان وسيظل نصيراً للقضايا الإنسانية، معربةً عن أهمية الفن الرابع في الوقوف بجانب الشعوب المقهورة. من خلال “مسرح الحرية”، تحيي أيام قرطاج المسرحية إبداعات المساجين الذين، رغم جدران الزنازين، يجدون في المسرح وسيلة لمقاومة الوحدة واكتشاف ذواتهم المبدعة.
هذا النهج يعكس رؤية وزارة الشؤون الثقافية التونسية التي تدعم التواصل الأفقي بين المؤسسات، حيث يتضافر الفن مع العدالة والابتكار، في رسالة واضحة بأن التغيير يبدأ من تمكين الإنسان واستثمار طاقاته الخلاقة.
المسرح والإبادة: استعادة الإنسانية المفقودة
بإشراف محمد منير العرقي، المدير الفني للمهرجان، تتناول الندوة الفكرية الدولية لهذا العام موضوع “المسرح والإبادة والمقاومة: نحو أفق إنسي جديد”. المدير الأكاديمي للندوة، منير السعيداني، أوضح كيف أن الإبادة تتجاوز تدمير البنى التحتية لتطال الفنون بوصفها أرشيفاً للذاكرة الإنسانية. المسرح هنا ليس مجرد فن، بل هو فعل مقاومة يعيد صياغة الرواية التاريخية ويفتح آفاقاً لإنسانية متجددة تواجه العنف والدمار.
تجربة غزة في مواجهة العدوان الصهيوني تمثل محوراً مهماً في هذه النقاشات، إذ تصبح فلسطين نموذجاً لتحمل عبء الإنسانية في وجه الإبادة الثقافية والجسدية.
إرث يمتد وعروض متنوعة
تحتفل الدورة الحالية بالسنة الحادية والأربعين على تأسيس المهرجان، وتواصل تقديم برنامج ثري يشمل العروض التونسية والعربية والعالمية، بالإضافة إلى ورشات تدريبية متخصصة يديرها خبراء محليون ودوليون.
في هذا السياق، قال العرقي: “للمسرح جذور عميقة في تربة تونس الخضراء، حيث يكون صوتاً للحق والجمال”، معرباً عن فخره بالتتويجات التي حصدتها الأعمال المسرحية التونسية في المهرجانات الدولية.
رسالة تونس إلى العالم
اختتمت الهيئة المديرة رسالتها بالترحيب بكل زوار المهرجان، مؤكدين أن تونس، أرض التسامح والإبداع، ستظل مكاناً للتجدد الفني والفكري. وبينما تنعقد أيام قرطاج المسرحية، تصدح كلماتها بوضوح: “المسرح مقاومة، أو لا يكون”.
أيام قرطاج ليست مجرد حدث ثقافي؛ إنها بيان مسرحي عالمي يفتح أفقاً جديداً للإنسانية، حيث الإبداع أداة للمقاومة، والمسرح نافذة للأمل.
وائل بن سعيد