في تلك اللحظات من السكون، حيث يلتقي الهدوء مع الألوان، نغادر منطق الحياة اليومية إلى عالم موازٍ، عالم لا يعرف سوى السلام الداخلي والتعبير الصادق.. هنا، في فكرة Pinaya التي أنجزتها كل من الأختين نسرين ونرجس الشابي، يتنفس الإنسان بحرية، ويجد في الألوان ملاذًا له من عبء العالم الذي يحيط به… فهي ليست مجرد حدث فني، بل هي دعوة للعودة إلى الذات في فضاء آمن ومريح، حيث يتمكن كل فرد من أن يلوّن روحه بألوانه الخاصة، ليغسل عن نفسه غبار الحياة اليومية.. ودائما ما هنالك سبب آخر للتلوين ..
تبدأ الفكرة من مكان بسيط، يتسع لجملة من الأحاسيس، هكذا بدأت نرجس الشابي، حديثها لـ + Tract وقد تأثرتا بفكرة أن الثقافة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الجمال، بل هي مجال للتواصل الداخلي مع الذات، قررت أن تخلق فضاءً يلتقي فيه الجميع في حالة من الطمأنينة. هذا الفضاء ليس مجرد مكان فقط، بل هو حالة ذهنية تعكس الاحتياج الفطري للإنسان للابتعاد عن الازدحام الفكري والنفسي. في هذا المكان، تصبح الألوان وسيلة للتفريغ النفسي، ولتحقيق توازن مع الذات. هنا، لا أحد مطالب بأن يكون شيئًا آخر غير ذاته، ولا أحد ملزم بتقديم صورة أو أداء، بل هو الفضاء الذي يسمح لك بأن تكون كما أنت، بكل ما تحمله من أفكار وأحاسيس وألوان.
الألوان كوسيلة للتحرر: دعوة للابتكار الشخصي
الألوان، كما تعبر عنها نسرين، ليست مجرد تدرجات لونية على ورقة، بل هي خطوات نحو الراحة النفسية. في هذا الفضاء، يتوفر للجميع أدوات التلوين وأوراق بيضاء تزينها رسومات مختلفة. تلك الرسومات قد تكون مجرد خطوط أو أشكال بسيطة، لكن الفكرة تكمن في تحويل هذه الأشكال إلى مساحة حرة للتعبير، دون قيود أو توقعات، فبينما يغرق الشخص في التلوين، يتحرر جزء من عقله وقلبه، ليكتشف جزءًا آخر من ذاته، غافلًا عن تفاصيل الحياة التي قد تستهلكه في أماكن أخرى.
الورقة البيضاء الكبيرة: لوحة جماعية للروح
في هذا الفضاء، يتوفر للجميع أدوات التلوين وأوراق بيضاء تزينها رسومات مختلفة. تلك الرسومات قد تكون مجرد خطوط أو أشكال بسيطة، لكن الفكرة تكمن في تحويل هذه الأشكال إلى مساحة حرة للتعبير، دون قيود أو توقعات،
لكن الأعمق من ذلك هو فكرة الورقة البيضاء الكبيرة، تلك التي تصبح لوحة جماعية. هنا، لا يتحول الفن إلى فعل فردي فحسب، بل يمتد ليجمع الجميع في تجربة مشتركة. كل فرد يساهم في تشكيل هذه اللوحة ليس فقط من خلال الألوان التي يضيفها، بل من خلال الطاقة التي ينقلها من ذاته إلى الآخرين. الورقة تصبح مرآة للمجتمع الصغير الذي يتفاعل معها، حيث تُلون الأشكال بلمسات فردية لكن بإحساس جماعي. هذه الورقة ليست مجرد ورقة، بل هي رحلة نعيشها جميعًا معًا، نستمد منها تواصلًا غير مباشر، فكل لون يضاف إليها يعكس جزءًا من روح أحدهم، ويصنع مع باقي الألوان لوحة مكتملة من الأحاسيس المشتركة.
Pinaya هي أكثر من مجرد فعالية ثقافية، هي حدث جماعي يعبر عن الفكرة العميقة في التواصل الإنساني، حيث يلتقي الفرد مع الآخرين على نفس الورقة، في مساحة لا تشترط سوى الألوان. عبر هذه التجربة الثقافية، يكتشف كل شخص في ذاته جزءًا غير مكتشف، ويكتشف في الآخر جانبًا من الإنسانية المشتركة. وبهذا يصبح الفن ليس مجرد تمثيل للعالم، بل إعادة تشكيله، وتقديمه مرة أخرى، بكامل تفاصيله التي تعكس مشاعرنا وأفكارنا.
وهي أكثر من حدث ثقافي، بل هي عملية نفسية وفكرية وهي أيضا دعوة للتنفس داخل فضاء خالٍ من التوقعات والمقاييس الاجتماعية، لتُضيء فينا تلك الزوايا الخفية التي تحتاج إلى وقت ومساحة لتظهر. فالألوان ليست فقط لتجميل الحياة، بل هي للراحة النفسية، وهي بمثابة الجسر الذي نعبُر من خلاله إلى عالمنا الداخلي، حيث نلتقي بأنفسنا في أقرب لحظاتنا الحقيقية.